كتب ذو الفقار قبيسي في “اللواء”:
في وقت يطرح صندوق النقد الدولي الشكوك حول مدى قدرة المصارف والسلطة النقدية عموما حول مدى إمكانية دفع ٢٥ مليار دولار Fresh للمودعين بالنظر لضآلة المتوافر من النقد الأجنبي، وازدياد حاجة لبنان الى دعم السلع المعيشية والضرورية، يأتي قانون «الكابيتال كونترول» متأخرا سنة ونصف السنة عن الوقت الذي كان يجب أن يصدر قبل هروب الأموال غير المشروعة التي بات يصعب الآن استعادتها من الجهات التي حوّلت إليها. وأما الأموال المشروعة التي حوّلت فبرغم أن تحويلها جرى بطرق استنسابية وإرضائية وبعدم مساواة بين مودع وآخر بصورة غير شرعية، لكنها لو بقيت داخل البلد سيكون مصيرها مثل مصير باقي الودائع والاحتياطيات التي استنزفت وتستنزف كل يوم بمليارات الدولارات لتجار الاحتكار والتهريب والتخزين.
وعند مطالعة الأسباب الموجبة للقانون يلاحظ انه عبارة عن عمليات ترميم لتداعيات تجاوزات سابقة، وإضفاء صفة الشرعية على ممارسات لاحقة من ناحية «قوننة» تقنين المودعين ومنعهم من سحبها مقابل «رشوة» أصحاب الودائع الصغيرة منهم بـ «حفنة» من الدولارات وبكم من الليرات بسعر صرف أقل من السعر الحقيقي ودون أي إشارة لما سيكون عليه الجزء الباقي من وديعتهم وبما يتعارض مع نص الدستور عن حق الملكية ومبدأ الاقتصاد الحر. علما ان أول قانون كابيتال كونترول في العالم صدر في بريطانيا العام ١٩٢٩، وخلال الحرب العالمية الثانية 1945-1949 وعلى يد حكومة هارولد ولسون العمالية العام ١٩٦٦ قبل العودة عنه ولأسباب اقتصادية أيضا على يد حكومة المحافظين بقيادة مرغريت تاتشر. وخلال تلك الفترة وبعدها لجأت الى الـ Capital Control المسمّى أيضا Exchange Control وCurrency Control دول عدة الى جانب بريطانيا، من فنلندا وكوريا الجنوبية والأرجنتين والمكسيك الى تشيلي والبيرو وفيجي وزيمبابوي، ودول عربية بينها مصر وسوريا والسودان.
وبرغم اختلاف الأسباب التي أدّت الى هذا القانون في هذه الدول إلا ان الهدف الرئيسي منه للدول المتقدمة وبعض الدول النامية ودول الأسواق الناشئة كان غالبا استخدام الكم الأكبر من العملات الأجنبية التي يمنع اخراجها من البلد في خطط التنمية الاقتصادية.
وأذكر عندما كنت أعمل في دائرة الـExchange Control في فرع لأحد المصارف البريطانية في لندن الستينيات ان هذا القانون لاقى قبولا لدى الشعب البريطاني لثقته بأن العملات الأجنبية التي يمنع اخراجها من البلاد سوف تستخدم في تمويل مخططات التنمية الاقتصادية، في حين أن العملات الأجنبية التي سيمنع اخراجها من لبنان بموجب قانون الكابيتال كونترول الجديد سوف لن تأخذ طريقها لأي خطط مرسومة للتنمية أو للإصلاح، وأحيانا تحت ذريعة أن القانون هو أحد شروط صندوق الدولي على لبنان لأي قرض مرتقب، في حين أن السياسة المعروفة حتى الآن عن البنك الدولي تشير الى العكس باتجاه إلغاء القيود على حركة الأموال في زمن العولمة وللالتزام بمعايير منظمة التجارة العالمية وتحقيق القدر الأكبر من التنمية الاقتصادية الوطنية عبر استخدام الوفر الأكبر من العملات الأجنبية.