كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
إثر التخبّط السائد مع اصدار مصرف لبنان التعميم 158 الذي يتيح للمودعين السحب من أموالهم المحتجزة حوالى 10 آلاف دولار سنوياً بالدولار والليرة مناصفة، يجد المودعون والمصارف أنفسهم في حالة إرباك وعدم يقين.
لا توجد آلية واضحة بعد لتطبيق التعميم 158، بالاضافة الى عدم توفر السيولة النقدية بالدولار في بعض المصارف. ويشعر المودعون بالقلق من عدم تمكنهم من السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة في حال قرّروا الاستفادة من التعميم 158 والاكتفاء بالسقوف المالية الشهرية المحدّدة في التعميم.
ورغم انّ الاوساط المصرفية تتوقع ان يتمّ لاحقاً تعديل بعض بنود التعميم 158 لجهة السماح للمستفيدين منه بمواصلة الاستفادة من التعميم 151، أي السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة، بالاضافة الى الـ1000 دولار المسموح بها شهرياً، إلّا انّ مفاعيل التعميم وتأثيراته على حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق ونسبة التضخم وعلى سعر الصرف في السوق الموازية، والذي بلغ أمس مستويات قياسية جديدة عند 15,500 ليرة للدولار، تبقى رهن نجاح البنك المركزي في امتصاص أكبر كمية من السيولة بالليرة من خلال منصة sayrafa.
في المقابل، فإنّ مبدأ الشمول المالي الذي جاهد القطاع المصرفي في السنوات الماضية لتحقيقه عبر ضمّ النسبة الاكبر من السكان الى القطاع المصرفي، سينتفي مع بدء تطبيق التعميم 158، الذي سيؤدي بعد عام على تطبيقه الى إغلاق نحو 700 ألف حساب مصرفي، لأنّ 60 في المئة من الحسابات المصرفية في المصارف اللبنانية لا تتعدّى قيمتها 10 آلاف دولار، مع الاشارة الى انّ الحسابات التي سيتمّ اقفالها لن يكون باستطاعة اصحابها اعادة فتح حسابات جديدة اخرى، أوّلا لأنّ المصارف فقدت وظيفتها الاساسية المتعلّقة بمنح القروض وتحفيز النمو الاقتصادي، علماً انّ القروض المدعومة هي العنصر الأهم في تطوير الشمول المالي، فهي التي سمحت بزيادة عدد عملاء القطاع المصرفي إلى أكثر من مليون عميل، وأتاحت لـ 59% من اللبنانيين الذين يحقّ لهم فتح حساب مصرفي، فرصة التعامل مع القطاع المصرفي. وثانياً لأنّ المصارف منهكة ومتعثرة، وتفضّل تقليص اكلافها التشغيلية بأكبر قدر ممكن لحصر خسائرها.
في هذا الاطار، رأى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ التعميم 158 هو مشروع اشتباك بين المصارف والمودعين وبين المصارف ومصرف لبنان.
وشدّد على ضرورة وضع آلية سداد منظمة، تتضمن النقد الورقي بالليرة والنقد الورقي بالدولار وبطاقات الدفع بالليرة، لضمان حق المودع في استعمال ودائعه المحجوزة، وفي الوقت نفسه التحكّم بالكتلة النقدية ونسب التضخم.
وقال لـ«الجمهورية»: «ليس همّ الناس اليوم نسبة الاحتياط او رساميل المصارف، بل القدرة على تغطية المصاريف الحياتية، ولا سيما من اموالهم المحجوزة. ودور جمعية المصارف يجب ان يكون اكثر فعالية في مباحثاته مع مصرف لبنان ومع البرلمان اللبناني، وفي ذلك العديد من الاقتراحات والاجراءات التي يمكن اتخاذها». مشدّداً على ان «الفوضى تبقى هي سمة المرحلة. وكلٌ يغنّي على ليلاه!».
واوضح حمود، انّ «كل تعقيدات التعميم 158 ستطال الودائع الكبيرة، وسيكون تنفيذه من خلال صغار المودعين»، معتبراً انّه من مصلحة اصحاب الودائع المتوسطة الابقاء على التعميم 151 والاستغناء عن مفاعيل التعميم 158».
اضاف: «سيزداد إرباك المصارف وتتعمق هوّة فقدان الثقة من قِبل كبار المودعين، الذي من دونهم لا يقوم القطاع المصرفي في اي بلد».
وسأل حمود: «هل تمّ خفض نسبة الـ 3 % من السيولة النقدية المطلوب تكوينها في حسابات المصارف في الخارج في اطار التعميم 158؟ والى اي مدى؟».
كما سأل عن كيفية تجزئة مبلغ الـ 400 دولار الذي يحق لكلّ مودع سحبه، اذا ما كان للمودع حسابات في مصرفين او اكثر، وعن مدى فعالية مركزية التحاويل المنشأة حديثاً في مراقبة الاستعمال، حيث انّ الجميع لديه تجارب غير مشجعة في رقابة القروض المدعومة والدولار المدعوم.
وختم: «تبقى البلاد في سياسة التخبط العشوائي، ما لم تُشكّل حكومة تضع خطة شاملة كاملة، تحظى بموافقة صندوق النقد الدولي وتتناسب مع اقتصاد ونقد ومالية البلاد».