في خطابه الأخير، مرّر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله العديد من الرسائل السياسيّة، ربطًا بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، ولكن أيضًا في ملفّ تأليف الحكومة، وما يتفرّع عنه من نقاشاتٍ واسعة تأخذ حيّزًا واسعًا من الاهتمام، على غرار موضوع الانتخابات المبكرة التي يتزايد التلويح بها.
لعلّ الفكرة الأهمّ التي أثارت الاهتمام في خطاب نصر الله تمثّلت بمطالبته الحكومة بـ”قرار جريء” يتمثّل في استيراد الوقود من إيران، لحلّ أزمة المحروقات المتفاقمة، في طرحٍ لا شكّ أنّه سيكون مثيرًا للجدل، في ضوء الانقسام العموديّ في البلاد، والفرز السياسيّ الذي لن يتأخّر في الترجمة بين فريق “مهلّل” للفكرة، وآخر “مستهجِن” لها.
لكن، بعيدًا عن هذا الشقّ الذي نال “التغطية الإعلامية” الواسعة، حتّى في وكالات الأنباء العالميّة، ثمّة مواقف لافِتة أطلقها نصر الله في الموضوع الحكوميّ، اختصرها البعض بمعادلة جديدة قائمة على سلسلة “لاءات”، جوهرها: “لا حكومة ولا اعتذار ولا استقالة ولا انتخابات”، مع تمديد إضافيّ للمُهَل، حتى يهبط “الوحي” ربما على المتخاصمين!
دعم لبري.. بلا مهل!
في خطابه، حرص الأمين العام لـ”حزب الله” على تأكيد “دعمه” للمسعى الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري في ملفّ تأليف الحكومة، وتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري من جهة ثانية.
ولأنّها المرّة الثانية التي يكتفي فيها نصر الله بمثل هذه الإشارة “العامة والفضفاضة”، عبر دعم “الوساطات”، بعيدًا عن تسجيل أيّ موقفٍ واضحٍ لصالح هذا الفريق أو ذاك، لم يُفسَّر كلام الأمين العام لـ”حزب الله” إيجابًا في بعض الأوساط “العونيّة”، التي يُلاحَظ أنّها أطلقت العنان لما يشبه “الحملة” على “حزب الله”، من خلال بعض التصريحات المثيرة للجدل لقياديّيها، التي وصلت لحدّ اتهام “الحزب” بتغطية “الفساد” صراحةً، لا مواربة.
ولعلّ من النقاط “الإشكاليّة” في الخطاب، بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر”، إصرار نصر الله على الحديث عن “مهل مفتوحة” أمام تشكيل الحكومة، بما يضرب الخطاب “العونيّ” عن أسبوع “حاسم ومفصليّ”، وبما ينسف أيضًا فكرة “الاعتذار” التي يعوّل عليها هذا الفريق، حيث بدا من كلام نصر الله أنّه لا يزال متمسِّكًا بالرئيس المكلَّف، بمُعزَلٍ عمّا يمكن أن تفضي إليه الوساطة الحاليّة، وهو ما لا يروق لمن يريد دفع الرجل إلى “الاعتذار”.
طرح الانتخابات “ذهب مع الريح”!
وبالتوازي مع دعم مهمّة بري، وفتح باب المُهَل على مصراعيها حتى الوصول إلى حلّ، كان لافتًا في كلام الأمين العام لـ”حزب الله” تفنيده فكرة الانتخابات المبكرة عن بكرة أبيها، باعتبارها “ملهاة ومضيعة للوقت”، ولا جدوى يمكن أن تُرتَجى منها بأيّ شكلٍ من الأشكال، مع تأكيده على وجوب إجراء الانتخابات في موعدها المقرَّر الأسبوع المقبل.
ومع أنّ طرح السيد نصر الله هذا هذا ينسجم في مكانٍ ما مع رغبات “الوطني الحر”، الذي يدرك القاصي والداني أنه لا يريد انتخابات، إلا أنّه لا “يتناغم” في مكانٍ آخر، مع التهويل “الشعبويّ” بالانتخابات الذي يلجأ إليه الوزير باسيل بين الفينة والأخرى، وفق ذريعة أنّ “آخر الدواء الكيّ”، وباعتبار أنّ الانتخابات قد تكون الحلّ الأخير، لإحداث “خرق” في الملفّ الحكوميّ، من خلال سحب التكليف من الرئيس الحريري.
ويستخلص البعض من كلام نصر الله معادلة محوريّة من شأنها رسم خريطة المشهد المقبل، فترك المهل مفتوحة، يعني أنّ “المأزق” الحكوميّ لا يزال مفتوحًا، وأنّ الوساطات لم تُفضِ إلى حلّ، كما يعني أنّ “الاعتذار” ليس الخيار المنشود، خلافًا لأمنيات البعض، ورفض الانتخابات يعني بقاء “المراوحة”، علمًا أنّ جميع الفرقاء يدركون أنّ لا انتخابات يمكن أن تجري حولها من دون تفاهم مسبق حولها، وموافقة “حزب الله” عليها شرط لا بدّ من توافره.
صحيح أنّ خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” لم يحمل “مفاجآت” في الملفّ الحكوميّ، هو الذي يحرص منذ فترة على البقاء في منطقة “الوسط”، التي يصفها البعض بـ”الرماديّة”، ويكتفي بـ”ما قلّ ودلّ” من الكلام، تجنّبًا ربما للتفسيرات والتأويلات، تاركًا لرئيس البرلمان مهمّة الغوص في التفاصيل. لكن هناك من يرى في هذه “الرمادية” مؤشّرًا على علاقة قد تكون “ملتبسة” مع “العهد” الذي ينتظر منه أكثر من ذلك بكثير!