في كل مرة يشعر قادة “التيار الوطني الحر” بأن حليفهم “حزب الله” ينحاز إلى حليفه الثاني نبيه بري يشن رئيسه وبعض رموزه حملة انتقادات يستفيقون عليها في شكل موسمي وغب الطلب ضد بعض سياسات “الحزب”، ثم يعودون إلى السكوت ويلوذون بالصمت إذا مرت غيمة الافتراق والتمايز بين الحليفين ولم تدم طويلاً.
قبل يومين كرر باسيل اللازمة التي يرددها كلما ظهر اختلاف في الموقف مع “الحزب” في شأن الوضع الداخلي، أن اتفاق مار مخايل “نجح في منع الفتنة وفشل في بناء الدولة وليس طبيعياً وجود سلاح غير سلاح الجيش اللبناني، باعتبار أنّ “هذا الوضع استثنائي يجب ألا يستمر. سبق أن قال باسيل هذا الكلام حين وقع الخلاف على الموقف من تولي زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري رئاسة الحكومة، على رغم أن “الحزب” ساير حليفه العوني فلم يسمِّه في الاستشارات النيابية الملزمة كرمى لعيون التحالف، مع أن موقفه كان معروفاً في حينها بتفضيله تولّيه مهمة تأليف الحكومة لأسباب عدة. وحصل أن استخدم باسيل وبعض نوابه لغة التمايز عن “الحزب” أيضاً حين استشعر بالعقوبات الأميركية القادمة عليه. كما حصل عندما أراد “التيار” القيام بالتفاف حول التفاوض على الحدود البحرية وتسليف الجانب الأميركي بعض الليونة.
في الحال الراهنة يتعلق الأمر باستعجال “الحزب” تأليف الحكومة وفق مبادرة الحليف الأول بري. وفي كل مرة يكون هناك مفترق بالنسبة إلى “الحزب” في علاقته مع الحليفين، وعليه أن يختار بينهما، ويكون من الطبيعي أن يختار بري، يستعيد “التيار الحر” لغة الانتقاد والتمايز عن “الحزب”، فيتوزع بعض رموزه الموقف: يهاجم أحدهم بري ويتناول باسيل مسألة السلاح، ويُترك لمن يصفه بعض قياديي “التيار” بأنه يغرد أحياناً خارج السرب، ناجي حايك، ليقول ما قال أول من أمس عن أن “التيار تضرّر بسبب علاقته بالحزب في الشارع المسيحي ومع الدول الغربية”، مشيراً إلى أن “لا صلاحية للرئيس ميشال عون ورئيس التيار باسيل بالتنازل عن تسمية الوزيرين المسيحيين” اللذين تدور العقدة حولهما، مشدداً على “أنهما لن يتراجعا عن التسمية إلا إذا سمتهما “القوات اللبنانية”. وإذا كان وصف “الحزب” بأنه “شيطان أخرس”، فإنه اعتبر أن “مهمة الرئيس بري و”حزب الله” أن يبلغا الحريري بعدم تسمية الوزيرين المسيحيين”.
وعلى رغم أن باسيل أظهر ليونة نتيجة إصرار “الحزب” عليه تسهيل الأمور بأن تخلى لموفدي بري والسيد حسن نصرالله عن التمسك بتسمية الوزيرين من قبل الرئيس عون، التزاماً بصلب المبادرة عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل، فإنه تراجع على ما يبدو عن هذا التنازل، الذي كان شمل اقتراح باسيل نفسه أن يسميهما بري ونصرالله وسليمان فرنجية ووليد جنبلاط، من المجتمع المدني ومن إداريين ناجحين… ولأن بري، المهجوس بوجوب تسريع قيام الحكومة بفعل توالي المآسي الناجمة عن الفراغ، يعمل على مخرج من هذا النوع بالتنسيق مع”الحزب”، يبدو أن “التيار الحر” قرر الاستدراك والتراجع. فهو منذ البداية لم يستسغ تأييد “الحزب” لوساطة بري، وأخذ يطلق النار عليها بطريقة غير مباشرة، تارة بالتلويح بالاستقالة من البرلمان لتقصير ولايته، وأخرى باقتراح الدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني برئاسة عون، لانتزاع المبادرة الحكومية من رئيس البرلمان، وإغراق تأليف الحكومة بالتعديلات الدستورية.
ما زال “التيار الحر” عند موقفه الأصلي: رفض رئاسة الحريري الحكومة في وقت سيضطر الأخير بدوره إلى تنازل ما بقبول مخارج بري. بات هدف الباسيليين تبييض صورة “التيار” لدى المسيحيين يتقدم على أهمية الحكومة والتحالف مع “الحزب”.
المصدر نداء الوطن – وليد شقير