على عكس المراد منه، أثار بلبلة كبيرة قرار مجلس شورى الدولة الإعدادي الموقّت، الذي قضى بوقف تنفيذ التعميم الأساسي الصادر عن مصرف لبنان بوقف التسديد البدلي بالليرة وفق سعر 3900 ليرة لبنانية للحساب المفتوح بالدولار، في حين لم يتضمن القرار أيّ إشارة إلى إلزام المصارف أن تدفع لمودعيها بالدولار. اتصالات من قبل المودعين تنهال على المصارف والإعلاميين والقانونيين والإقتصاديين، ماذا يعني القرار القضائي الذي أوقف إجراءً قائمًا ولم يضع بديلًا عنه؟ هل سيعود الدفع بالدولار الـ 1507، فيُعطى المودع دولاره بسعر أصبح خارج الجغرافية النقدية البيضاء غير المرئية والسوداء القاتمة.
المودع لم يتمكّن من تحديد ما إذا كان القرار لصالحه بهدف الحفاظ على قيمة وديعته أو العكس، أيفرح ويتأمل أن تدفع له المصارف دولاره “فريش” بعد القرار؟ أم يحزن متخوّفًا أن يعود الزمن بالمركزي والمصارف إلى الـ 1507؟هذه البلبلة أعقبت قرار مجلس شورى الدولة واستمرت على مدى يومين، إلى حين صدور بيان عن مصرف لبنان مساء أمس الأربعاء، وجّهه إلى المصارف العاملة في لبنان، جاء فيه: “بعد أن تبلّغ مصرف لبنان القرار الإعدادي لمجلس شورى الدولة رقم 213/2020-2021 في 2/6/2021، قرر المصرف المركزي تعليق العمل بالتعميم رقم 151 الذي يسمح للمودعين بسحب اموالهم من حساباتهم بالدولار على سعر 3900 ل.ل. للدولار، استنادا لهذا القرار الإعدادي الصادر عن مجلس شورى الدولة”.
بيان مصرف لبنان بدوره لم يحسم الجدل، ولم يحدّد أي سعر صرف سيُعتمد في المصارف في عمليات سحب الدولار من قبل المودعين، ومع بيان المركزي أصبحت الصورة أكثر غموضًا، وتُرجمت بطوابير المودعين أمام الصرّاف الآلي علّهم يسحبون ما تيسّر قبل بدء سريان البيان. مصرف لبنان عاد وأصدر بيانًا جديدًا قبل منتصف ليل أمس، أعلن خلاله أنّه سيتقدّم بمراجعة أمام شورى الدولة كي يعيد النظر بالقرار.
مرقص: المركزي ملزم بالتعليق ولكن!
فور صدور قرار شورى الدولة قبل يومين، سألنا رئيس مؤسسة جوستيسيا الدكتور بول مرقص عن مفاعيله القانونية فأوضح في حديث لـ “لبنان 24” أنّ المركزي ملزمٌ بتعليق العمل بالتعميم بعد تبلّغه رسميًّا قرار شورى الدولة، بانتظار إيجاد مخرج لهذه المعضلة، خصوصًا أنّه استنادًا إلى التجارب السابقة، في حال لم يتمّ تجميد وقف التنفيذ تحت الضغط الشعبي والإعلامي، يستغرق صدور قرار نهائي في القضايا أمام مجلس الشورى فترة زمنية طويلة لا تقل عن سنة، من هنا لا بدّ أن يجد المركزي مخرجًا، وبطبيعة الحال سيحتاج إلى بعض الوقت ليستعيد زمام الأمور.
فضلًا عن الخلفيات القانونية للقرار، هناك مفاعيل عملانية في التعامل بين المصارف من جهة والمودعين من جهة ثانية، بعض المصارف جمّد صباح أمس عمليات السحب لساعات ثم عاود ذلك على سعر 3900، والسبب في ذلك مبرّر قانونيًّا وفق مرقص “كونها ليست طرفًا في الدعوى، بل مصرف لبنان هو المعني، وبالتالي المصارف لا تتبلّغ قرار مجلس شورى الدولة بل تنتظر صدور تعميم معاكس عن مصرف لبنان يلغي مفاعيل التعميم المتعلق بسحب الدولار وفق سعر الصرف 3900”.
قرار شورى الدولة موقّت بانتظار النهائي
أضاف مرقص أنّ القرار القضائي الصادر عن مجلس شورى الدولة ليس إبطالًا لتعميم مصرف لبنان موضوع الطعن، بل هو قرارٌ بوقف تنفيذ التعميم خلال الفترة الزمنية الفاصلة عن البتّ بأساس المراجعة، بالتالي القرار ليس قرارًا نهائّيا، بل هو إجراء موقّت دأب مجلس شورى الدولة عليه في الآونة الأخيرة بناءً على طلب المدّعين، يقضي بوقف تنفيذ النصوص موضوع الطعن إلى حين استكمال إجراءاته، وصدور قراره النهائي، إمّا بإبطال التعميم، أو بالإبقاء عليه واعتبار أنّ مراجعة الطعن غير مقبولة بالأساس.
لغط كبير ومفعول عكسي
انطلاقًا من هذا الشرح القانوني هناك فترة زمنية مشوّشة بدأت تتبلور على أرض الواقع، أبرزها خوف المودعين من إجبارهم على سحب ودائعهم بسعر الـ 1507، وهو ما أشار إليه د. مرقص، متحدّثّا عن لغط كبير سيسود في الفترة الفاصلة عن صدر القرار النهائي لمجلس شورى الدولة، والذي لا يمكن التكهّن بالمدى الزمني لاتخاذه. إلى ذلك الحين تظهر إشكاليات، تتمحور حول أداء المصارف، هل تمنح الأخيرة المودع شيكًا مصرفيًّا خلال هذه الفترة؟ هل يصدر قرار أو تعميم عن مصرف لبنان يتيح للمصارف أن تعقد اتفاقًا بينها وبين المودعين حيال السعر الذي سيُعتمد بعملية سحب الودائع؟أضاف مرقص “أخشى أن يحدث هذا القرار ،الذي هلّل له البعض، أزمة في مكان آخر، خصوصًا بالنسبة للمودعين الذين يعتاشون من صرف الدولار على أساس 3900 ليرة، فعدم تمكّن المصارف من السير بمندرجات التعميم 151، هل سيدفعها إلى حرق دولارات المودعين وفق سعر الصرف 1500 ليرة؟ في هذه الحال يكون القرار القضائي الإعدادي الموقت قد فاقم الأزمة من حيث لا يريد بدل أن يحلّها، وألحق أضررًا بالمودعين غير مباشرة، فيما خلفيته قد تكون حميدة وتهدف إلى إنصاف المودع، ولكن التطبيق يؤدي إلى نتيجة عكسيّة ويلحق به ضررًا إضافيًّا. بالتالي الفترة المقبلة مرهونة بـ “أرنب” المركزي”.الفئة الأكثر تأثّرًا بتطبيق القرار، هي شريحة صغار المودعين الذين يسحبون ودائعهم على سعر الـ3900 ليرة لتلبية حاجاتهم المعيشيّة الصعبة، وعلى رغم أنّ هذا السعر مجحف بحق المودع كونه بعيد كل البعد عن سعر الصرف الحقيقي في السوق الموازية الذي تجاوز عتبة الـ 13000، إلّا أنّه إذا ما تكرّست العودة إلى سحب دولاراتهم على الـ 1500، تكون الضربة هذه المرّة قاضية ومدمّرة.
قد يكون قصد مجلس شورى الدولة أن يكحّلها فعسى أن لا يعميها، لا سيّما وأنّ المودعين لا يحتملون خسارة جديدة، وعسى أن لا تطول فترة حسمه للقضية موضوع المراجعة، إذ يكفي ما تكبّده المودعون من هيركات على ودائعهم بطرق مقنّعة تجاوزت الـ 75%.