“تحت عنوان “مصارف تشتري الدولار سرّاً بـ15 ألفاً.. والتجّار لتسعيره بـ17000″، كتب خضر حسان في موقع المدن:
عملت المصارف على إدارة الأزمة النقدية وفق ما يخدم مصالحها. فحين كانت البلاد تتّجه نحو المزيد من التدهور الذي التُمِسَ عبر انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، احتجزت المصارف أموال المودعين وخصوصاً الدولارية منها، وأقفلت أبوابها ورسمت حدوداً جديداً للعلاقة مع مودعيها. غير أن المصارف لم تستطع تحييد نفسها عن مفاعيل الأزمة، إذ وقعت في فخّها المتمثّل بتمويل نظام فاسد، والذي نصبته بالتواطؤ مع الطبقة السياسية الحاكمة، فأصبحت إعادة هيكلة القطاع المصرفي أمراً ضرورياً. لكن قبل ذلك، تأبى المصارف إلاّ أن تحافظ على بصمتها السلبية، وآخر البصمات، لجوء بعضها إلى عَرض شراء الدولارات النقدية الطازجة من بعض الشركات المودعة لديها. لكن لهذا الطلب تأثير كبير على ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
الحاجة إلى الدولار
باعت بعض المصارف أصولاً لها في الخارج، وزادت رساميلها التزاماً بقرارات مصرف لبنان. لكن الضغوط الداخلية المتمثّلة بمطالبة المودعين بأموالهم، ما زالت تلقي بثقلها على المصارف. فحتى مع الممارسات التعسفية كتحديد سقوف للسحب، أو إجبار المودعين على سحب ودائعهم الدولارية بالليرة وفق سعر صرف يقل عن سعر صرف السوق، تسعى بعض المصارف إلى الاستحواذ على قدر من الدولارات النقدية عبر استمالة بعض الشركات المودعة لديها، لبيعها دولارات بسعر صرف يتراوح بين 15 و16 ألف ليرة. فيما يحاول البعض الآخر إقناع الشركات بالبيع وفق سعر السوق السوداء، الذي بات معترفاً به من خلال المنصة الإلكترونية التي أطلقها مصرف لبنان.
هذه الدولارات ليست للتداول عبر المنصة، فمصرف لبنان سيؤمّن للمصارف دولارات المنصة، عبر إرسالها إلى الحسابات في المصارف المراسلة. وبالتالي، المصارف تحتاج الدولارات الجديدة لتغطية عمليات داخلية سريعة، وفي مقدّمتها تسهيل إقفال حسابات بعض صغار المودعين، أو الإيفاء بالتزامات دولارية أخرى من دون المسّ بالدولارات الخاصة بالمصرف.
مِن المؤكّد حتى الساعة، وفق مصادر مصرفية، أن “ثلاثة مصارف تُعتَبَر من كبريات المصارف في لبنان، تعرض شراء الدولار على الشركات التي تستقبل دولارات طازجة من الخارج، فيما ترفض مصارف أخرى حتى الآن، الدخول في هذه اللعبة”.
رفع أسعار الدولار والسلع
في وقت سابق، حين وصلت أسعار الدولار في السوق السوداء إلى نحو 15 ألف ليرة، كانت بعض المصارف تعرض على التجار والمودعين، شراء دولاراتهم بنحو 17 ألف ليرة. وهذا يتكرر اليوم، منذراً بإمكانية ارتفاع سعر الصرف إلى ما يفوق الـ16 ألف ليرة. فيما تشير بعض الترجيحات إلى وصوله لنحو 20 ألف ليرة، نظراً لاستمرار التعثّر في تشكيل الحكومة وازدياد الضغط الاقتصادي والنقدي. والمصارف في هذه الحالة لا تتنبّأ بما سيحصل على قاعدة التبصير في فنجان القهوة، بل هي شريكة في تحديد سعر الصرف في السوق، إلى جانب الصرّافين. وقد شرَّعَ مصرف لبنان الدور الجديد للمصارف، بعد أن حقق الصرّافون أرباحاً خيالية حُرِمَت منها المصارف، نظراً لدورها المحاصر بقانون النقد والتسليف.
شرارة موازية بدأت تلوح في الأفق، وهي ارتفاع أسعار السلع بفعل لجوء التجار لاحتساب البضائع المسلَّمة للسوبرماركات، وفق سعر 17 ألف ليرة للدولار، ما يعني ارتفاع أسعار السلع بشكل حتمي. إلا أن هذه الخطوة لم تُنَفَّذ بعد، حسب ما تؤكده مصادر من بين التجّار، لكن “هناك بوادر لزيادة السعر، إذ يُناقَش هذا الإجراء، وقد تتّضح الأمور خلال أسبوع”.
سعي التجّار لاعتماد سعر صرف مرتفع، وشراء المصارف للدولارات النقدية بشكل سرّي، يتّخذ أحياناً طابع الطلب الشخصي من مدراء الفروع لتمويه طلب إدارة المصرف. ما يعني أن مرحلة جديدة تتحَضَّر، قد تكون أشدَّ إيلاماً على الناس، إن لم تُتَّخَذ خطوات إيجابية فعلية، على صعيد تشكيل الحكومة والإفراج عن المزيد من دولارات المودعين. فالبلاد لم تعد تحتمل ارتفاعاً إضافياً لأسعار الدولار وأسعار السلع.