“كان الرئيس المُكلَّف #سعد الحريري يعتقد أنّ الفاتيكان يؤيِّد موقفه في الصراع الدائر بينه وبين رئيس الجمهوريّة العماد #ميشال عون ووريثه في رئاسة “التيّار الوطني الحر” النائب #جبران باسيل، يقول المُتابع الدقيق نفسه للحياة السياسيّة في لبنان وأقطابها. لكنّه عمليّاً لم يكن كذلك وهو ليس كذلك الآن. لا يعني ذلك طبعاً أنّ سيّده أي بابا الكاثوليك في العالم يتبنّى وجهة نظر عون وحلفائه في الأزمة الحكوميّة الناشبة منذ أشهر كما في الأزمة الوطنيّة أو بالأحرى القضيّة اللبنانيّة. وقد بدا ذلك في زيارة الحريري الأخيرة للفاتيكان. فهو أعدَّ لها بعناية ولم يكن سهلاً حصوله على موعد من البابا فرنسيس لانشغالاته الكثيرة.
هذا ما يُفسِّر أنّ موعدها تأخَّر وقتاً لا بأس به بعد استعجال الإعلام اللبناني المؤيِّد للحريري تحديد موعد قريب لها. لكنّه بدا أيضاً من الاختلاف بين التصريح الذي أدلى به الرئيس المُكلَّف بعد انتهاء الاجتماع والزيارة وبين الحديث الذي دار بين الاثنين في الاجتماع المغلق، الذي سرَّبت منه جهات مُطّلعة ما يكفي للإشارة إلى عدم التطابق. فالبابا لم يتطرَّق إلى الأزمة الحكوميّة في لبنان، ولم يتبنَّ موقف الحريري من عون ولا موقف عون من الحريري. كما أنّه لم يتحدَّث عن حقوق المسيحيّين في لبنان على ما أوحى تصريح الحريري. لكنّه ركَّز على ضرورة التفاهم والعيش المشترك ولبنان الرسالة وقضايا أخرى تندرج في الإطار العام نفسه. في حين أنّ الحريري أوحى في تصريحه للإعلام أنّه حقَّق انتصاراً بتلميحه وإن على نحو غير مباشر أنّ البابا يتبنّى موقفه.
طبعاً أزعج ذلك الفاتيكان فأعطى مسؤولون كبارٌ فيه تعليمات إلى بكركي وسيِّدها البطريرك بشارة الراعي تدعو إلى الانتباه والحذر، ولا سيّما بعدما دخل في “معركة الحكومة” وقام بمحاولات عدّة لحلّ الخلاف بين الحريري – عون وباسيل، كما بعدما صار صاحب مبادرة تنطلق من الإطار اللبناني إلى الإطار الدولي، إذ قامت على مبدأين الأوّل حياد لبنان والثاني المطالبة بانعقاد مؤتمر دوليّ من أجله. لاحظ المُتابع الدقيق نفسه للحياة السياسيّة اللبنانيّة وأقطابها وآخرين كثيرين ذلك في العظة التي ألقاها البطريرك في قدّاس يوم الأحد الأسبق، وذلك حين دعا الجميع إلى مراجعة مواقفهم والتقدُّم باقتراحات تُسهِّل إيجاد الحلول وإلى التراجع عن مواقف سابقة ساهمت في تعقيد الأزمة والخلاف، وإلى اللقاء للبحث في اقتراحات أخرى لأنّ البلاد لم تعُد تتحمَّل الوضع الراهن وكذلك الناس. ودعا تحديداً الرئيس المُكلَّف وإن من دون تسميته إلى وضع تشكيلة أخرى غير التي وضعها في البداية وتمسَّك بها بعد رفض رئيس الجمهوريّة لها. كما دعا الأخير إلى مراجعة مواقفه ومن دون أن يُسمّيه أيضاً.
في هذا المجال يُطرح سؤال عن الجهة الدوليّة أو الإقليميّة التي تدعم الرئيس سعد الحريري وتشدُّ أزره رغم معرفته ومعرفة غالبيّة اللبنانيّين أنّ وضعه في الخارج ليس ممتازاً؟ فالمملكة العربيّة السعوديّة لا تزال على موقفها السلبي منه لاعتبارات كثيرة صارت معروفة لفرط تكرارها في الإعلام المؤيِّد لها أو المعارض بل المُعادي لها. وفرنسا التي أنقذه رئيسها ماكرون من أسر وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء له به، شجّعه عليه نائب رئيس دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الشيخ محمد بن زايد، بدأت تتساءل عن جديّته وأهدافه وخططه بعدما خيَّبها رفضه اقتراحها جمعه وغريمه باسيل في فرنسا، كما بعدما أخفى عنها معلومات مُعيّنة ممّا اضطرّ رئيسها إلى تشغيل فريقه المُتعاطي مع قضيّة لبنان والخبير به وبرجالاته لمعرفة حقيقة ما وصله وما يُشاع عن هذا الموقف.
والاتحاد الأوروبي الذي حاولت فرنسا اقناعه بفرض عقوبات على “أمراء الطاولة المستديرة” الذين جمعهم ماكرون حولها في قصر الصنوبر في بيروت، والذين أبدوا عدم جديّةً بعد مغادرته لبنان رغم وعود قطعوها له يومها، الاتحاد الأوروبي هذا أخفق في ذلك. السبب أنّ قراراته إجماعيّة، وقد فرطت إجماعها دولة هنغاريا بسبب “صحبة” أو صداقة لوزير خارجيّتها مع النائب باسيل. لكنّ ذلك ليس السبب الوحيد. إذ كان في إمكان الدول الراغبة في المعاقبة أن تفرض مُنفردة عقوباتها على شخصيّات لبنانيّة مسؤولة عن إخفاق مبادرة فرنسا. لكنّها لم تفعل. أمّا أميركا بايدن فإنّها، ورغم ديناميكيّة سفيرتها في لبنان وأعضاء السفارة ورغم سعي لبنانيّين أميركيّين فاعلين إلى التدخُّل لمصلحة الحريري أو لمصلحة عون، لا تبدو كبيرة الاهتمام بما يجري فيه لانشغالها بقضايا في منطقته أكثر أهميّة لها، ولاقتناعها بأنّ تهدئة المنطقة أو حلّ بعض مشكلاتها الأساسيّة سينعكس في شكل أو في آخر إيجاباً على لبنان. علماً أنّ أميركا ترامب كانت أوقفت تدخُّلها في الموضوع اللبناني بعدما يئِسَ وزير خارجيّتها بومبيو ومستشار رئيسها وصهره كوشنِر من الحريري جرّاء عجزه عن تنفيذ وعود تتعلّق بلبنان كان قدّمها إليها ومنها ترسيم الحدود البحريّة مع اسرائيل.
من يشدُّ أزر الحريري إذاً، أو بالأحرى هل هناك من يشدُّ أزره ويدعم تشدُّده وتصلّبه؟ تُفيد معلومات المُتابع الدقيق للحياة السياسيّة في لبنان أنّ مصر تدعم الرئيس المُكلَّف الحريري، وأنّها معه في عدم تأليف حكومة في الوقت الراهن وأيضاً في عدم اعتذاره عن التأليف رغم الضغوط المُمارسة عليه والتي قد تُمارس. وتُفيد أيضاً أن مصر انزعجت عندما بدأت أوساط الحريري تتحدّث قبل أسبوعين عن احتمال اعتذاره عن التأليف. وقد عبَّر له عن ذلك وزير خارجيّتها سامح شكري في آخر اتصال هاتفي مُعلن أجراه به. طبعاً هناك جهات أخرى تقول أنّ لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة موقفاً من هذا الموضوع مماثلاً لموقف مصر. لكنّ جهات أخرى مُطّلعة لا تعتقد ذلك لاقتناعها بأنّ العلاقة بين الدولة المذكورة والرئيس المُكلّف ليست عميقة بما يكفي. طبعاً لا يستطيع “الموقف هذا النهار” أن يجزم في هذا الأمر. لكنّه يسأل: ما هي أسباب رفض اعتذار الحريري ودفعه إلى عدم #تأليف الحكومة المذكورَيْن أعلاه؟ والحقيقة أن لا جوابَ عن ذلك حتّى الآن.
المصدر: النهار – سركيس نعوم