كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:
تبدو جهات سياسية لبنانية بانتظار ترتيبات لم يأت أوانها بعد، ولم تدفع قساوة المأساة التي يعيشها اللبنانيون قوى مؤثرة في موقع المسؤولية لتجاوز الحسابات الشخصية او الحزبية، وبالتالي الشروع في تأليف حكومة إنقاذية يتفق الداخل والخارج على اعتبارها الممر الإلزامي الوحيد لوقف الانهيار المخيف، حيث انعدمت مقومات الاستمرار، وتحولت حياة اللبنانيين الى جحيم لا يطاق، وودائعهم في المصارف مهددة بالضياع. في علم السياسة لا يمكن إعطاء أي مبرر للتعطيل الذي يحصل في مؤسسات الدولة إلا إذا كان هناك هدف من ورائه. والمسؤولون عن هذا التعطيل معروفون لكونهم يحتلون المواقع الرسمية، ويشار الى أشخاصهم بالبنان. وبدأ الاعتقاد يترسخ في ذهن المراقبين وعند غالبية الرأي العام، بأن هناك جهات سياسية مستفيدة من حالة التفكك السياسي والانهيار المالي والضياع القضائي والهشاشة الإدارية في البلاد. وقد يكون إسقاط النظام اللبناني القائم هدف لهؤلاء، لأن الترابط مع النظام المالي الدولي لا يناسبهم، والمحاسبة الدولية القضائية على الارتكابات الجنائية تزعجهم، كما أن السياق القائم على الالتزام بالمعايير الدولية لا يتماشى مع طموحاتهم الشخصية أو الحزبية، وعلى العكس من ذلك فإن الطلاق مع النظام الدولي وحالة الفوضى تفيدهم أكثر، وتحررهم من عبء العقوبات والمحاسبة.
وعلى ضفاف هذا الانهيار الرهيب، تستفيد مناطق من التهريب ومن التحويلات المالية. وقد ظهرت مجموعات من الأشخاص ينظمون حركة تبادل خدمات مالية خارج المنظومة المحاسبية، من خلال تسليم أصحاب التحويلات مبالغ نقدية في لبنان مقابل قبض أقرباء أو شركاء لهم المبلغ في الخارج مع ربحية أقل من رسوم التحويلات التي تتقاضاها المؤسسات المصرفية، ومن ثم يعيدون تحويل هذه المبالغ «فرش دولار» لا تخضع لقيود الاحتجاز التي تعتمدها البنوك على الودائع القديمة، كما أن هناك مناطق تنتعش فيها الحركة التجارية والعمرانية وعمليات التبادل والتهريب، بينما مناطق أخرى تعاني من الركود والجمود والخواء.
مع صدور نتائج الانتخابات الرئاسية السورية، ضجت الساحة ببيانات وتصريحات من شخصيات وتيارات مارست صمتا مدويا قبل ذلك، وأوحى هؤلاء كأن ما جرى حدثا داخليا لبنانيا، وهناك من استخدم موعد هذا الاستحقاق لتقوية مكانته وتأكيد فوز خياراته، رغم أن ما حصل ليس فيه أي مفاجأة، وقد توضح الاستثمار السياسي إبان عملية نقل النازحين السوريين الى مقر السفارة السورية من خلال تنظيم المواكب والصور، وفي الاستعراضات التي تلتها، وهذه المراهنات تعيد الوضع في لبنان الى تجارب أليمة سابقة، وإلى احتمال تنفيذ خطوات انقلابية جديدة، تقضي على ما تبقى من الخصوصية اللبنانية.
الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، وبعد أن سجل تقدما بالنقاط على أخصامه خلال جلسة طرح الثقة البرلمانية بمشروعية استمرار تكليفه، يتعامل باستخفاف لا يمكن تبريره مع ما يجري من اتصالات تتعلق بتشكيل الحكومة، وهو يتعاطى مع مبادرة الرئيس نبيه بري المدعومة من البطريرك بشارة الراعي ومن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بنوع من الترف الذي لا يتلاءم مع خطورة المرحلة.
أما فريق رئيس الجمهورية ومن معه من قوى الممانعة، فمن الواضح أن لديهم مشروعا سياسيا تغييريا، ويستفيدون من حالة الانهيار لتأسيس مقاربة لبنانية جديدة تتشابه مع المقاربة الموجودة في الدول المجاورة، والتي تعتمد على ازدواجية السلطة. فمن هذا الفريق من لديه طموحات محورية وهناك منهم من لديه طموحات رئاسية. ولا يمكن تفسير الاستفزازات الدستورية التي تحصل بمناسبة العمل على تشكيل الحكومة الجديدة، إلا إذا كان هناك ما يؤكد وجود هذه الخلفية، خصوصا أن قادة هذا الفريق لم يعد لهم مستقبل مع المنظومة العربية والدولية المساندة تاريخيا للبنان ونظامه الديموقراطي الحر.