كتب منير الربيع في “المدن”:
يسير سعد الحريري في طريق مليئة بالأشواك. ولا مؤشّر على وجود ضوء في نهايتها. لم يعد وضعه مريحاً، كما في السابق، عندما نجح في تصوير رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل المعرقلان لعملية تشكيل الحكومة.
طرفان في المأزق
وفي هذه المرحلة، نجح عون وباسيل بإظهار الحريري أنه هو المعرقل. وذلك في إطار تقاذف المسؤوليات وتبادل التهم، فيما لا تتوافر أي رغبة جدية لدى الطرفين لتشكيل الحكومة. فعون لا يريد الحريري ويحاول إحراجه أكثر. والحريري يعرف أن تشكيل حكومة مع عون مهمة مستحيلة، ولا يمكنه فيها إنجاز أي ملف. وستنفجر في وجهه أزمات كثيرة ويضطر إلى اتخاذ قرارات قاسية على الناس، تنعكس سلباً عليه.
الطرفان في المأزق. وكل من حولهما يضغط في سبيل تشكيل الحكومة، فيما هما يعملان على إيجاد المعوقات. وفي حال استنفادها فقط، يمكن تشكيل حكومة مرغمين على تشكيلها.
والربح الذي كان يراكمه الحريري سابقاً، بدأ يتحول إلى خسارة، منذ خسر للفرنسيين. وقد بلغ مسامعهم أنه يقول في مجالسه الخاصة: “لم يعد الفرنسيون قادرين على فعل شيء، وهم يريدون مساواتي بباسيل، وهذا لا يجوز. وأساساً تحركاتهم كلها فشلت”. وأسهم هذا الكلام في سوء علاقة الحريري بالفرنسيين، كما بينت زيارة جان إيف لودريان.
في انتظار الحريري
ووضع الرجل تحت المجهر حالياً، والضغط عليه أقوى من أي وقت مضى. الجميع ينتظر عودته، ومبادرته، وإعداده تشكيلة حكومية، والتوجه بها إلى بعبدا. ولا أحد لديه توقيت دقيق لعودته، أو يمتلك ضمانة إقدامه على هذه الخطوة.
هو يعلم أن كل ما يجري يصب في إطار الضغط عليه وتحميله مسؤولية التعطيل، بناء على جوّ واضح ظهر بعد جلسة مجلس النواب. وهو من أفسح في المجال لذلك: مغادرته لبنان، بدلاً من بقائه واستثماره نتائج الجلسة لصالحه. خطأ استثمره عون وباسيل، فصورا أنهما يسعيان للتشكيل، بينما الرئيس المكلف يتهرّب ويسافر.
وعد في أنه عائد بعد يومين ولم يعد، فانعكس الأمر سلباً على علاقته بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بعدما كان يميل إليه ويحمّل عون وباسيل مسؤولية التعطيل. ولكن بعد ما جرى، أصبح الراعي يركز على تحميل الحريري المسؤولية، خصوصاً بعد وعود تلقاها منه بإعداد تشكيلة حكومية وتسليمها له ولرئيس الجمهورية، ولكنه تخلّف عن الوعد وغادر. فخسر البطريرك، كما خسر القوات اللبنانية ووليد جنبلاط من قبل، بسبب السياسات التي انتهجها وأفقدته الثقة به.
وكان لافتاً موقف جنبلاط قبل أيام عن علاقة السعودية بالحريري، لا بد من ربطه بزيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى البطريرك الراعي، بعد كلام كثير نقل عن البطريرك ويشير إلى غضبه من الحريري وعتبه عليه وتحميله مسؤولية التعطيل. حتى أن الراعي أصبح يقول: “كنت أحمل مسؤولية التعطيل إلى باسيل وعون، لكن اليوم أحمل الحريري المسؤولية بنسبة 80 في المئة، وباسيل بنسبة عشرين بالمئة”.
وبرّي على الطريق
لم يبق لدى الحريري سوى نبيه برّي سنداً داعماً. لكنه أصبح يخشى من أن تنقلب المعادلة عليه، ويصبح في واجهة متحمّلي مسؤولية دعم الحريري الذي لا يريد التشكيل. فيتحول برّي الساعي إلى توافق وتسوية، متهماً بالتعطيل. لذلك ينتظر عودة الحريري والقيام بما يتوجب عليه، خصوصاً أن لا أحد قادراً على الاستمرار في دعمه وتغطيته.
خياراته الصعبة
ووسط حال الانتظار، تُنقل أجواء كثيرة عن الحريري، لا يمكن الحسم بدقتها: بعضهم يقول إنه لا يريد تأليف حكومة، لأنه لا يريد تحمل مسؤولية وقف الدعم والإجراءات الاقتصادية والمالية القاسية على الناس. والبعض الآخر يعتبر أنه غير متحمس لتشكيل حكومة مع ميشال عون. وهناك جهة نظر أخرى تفيد بأنه متمسك بتسمية وزير مسيحي ليرفض عون ذلك. أو أنه يرى في الأجواء التفاؤلية الشائعة رغبة في إحراجه والضغط عليه وحشره في الوقت، مع تأكيده أنه لن يسمح بإحراجه.
آخرون يعتبرون أن لا خيار أمامه إلا الاعتذار، والشروع في خطاب سياسي تصعيدي ضد عون، تحضيراً للانتخابات، فيربح شعبياً. وهناك رأي نقيض: سيبقى متمسكاً بالتكليف ولن يتنازل. على خلاف البعض القائل إنه لن يكون قادراً على تحمّل كل أساليب الضغط، فإما أن يتنازل أو يعتذر.
في الحالات كلها، سيخرج الحريري مصاباً من هذا المخاض، سواء شكّل الحكومة بشروط الآخرين، أم استمرّ بتكليفه ليتحمل مسؤولية التعطيل.