كتبت رنى سعرتي في صحيفة الجمهورية:
لم يتبيّن بعد الخيط الابيض من الاسود في المبادرة التي اطلقها مصرف لبنان لدفع ما يوازي 25 الف دولار للمودعين بالدولار الحقيقي، وما يوازي هذا المبلغ بالليرة. والسؤال من أين ستأتي الاموال للتسديد؟
إذا كان احد اهداف المنصّة التي اطلقها مصرف لبنان أخيراً، امتصاص فائض السيولة النقدية بالليرة من السوق، فإنّ ما يعد به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حالياً بأن يسدّد 25 الف دولار نقداً وما يوازيها بالليرة اللبنانية على سعر السوق في نهاية حزيران لأكثر من مليون و30 الف مودع، يناقض تماماً هدف المنصّة بامتصاص السيولة لتقليص الضغط على سعر الصرف في السوق السوداء، ولخفض معدل التضخم، لأنّ تسديد ما يعادل 25 الف دولار بالليرة للمودعين سيؤدي الى إعادة ضخ السيولة التي تمّ امتصاصها من خلال المنصّة، في السوق، بما سيساهم من جديد في ارتفاع الطلب على الدولار وانخفاض سعر صرف الليرة. هذا في حال نجحت المنصة فعلاً في رفع سعر صرف الليرة.
وفقاً لمصادر مصرفية، فإنّ المبادرة التي يقوم بها مصرف لبنان لدفع هذه المبالغ لحوالى مليون مودع، تشكلّ ضغوطات كبيرة على المصارف لتلبيتها، إذ انّ كلفتها مقدّرة بحوالى 11 مليار دولار (من دون احتساب كلفة المبالغ التي سيتمّ تسديدها بالليرة) ومن المفترض ان يتمّ تمويلها بالتوازي بين مصرف لبنان (5.5 مليارات دولار نقداً) والمصارف (5,5 مليارات دولار نقداً). مشيرة الى انّه من اصل حوالى مليون و300 مودع، هناك مليون مودع مصنّفين كمتوسطين وصغار الموديعن.
ونظراً لما أعلن عنه سلامة امس الاول بدفع 50 الف دولار للمودعين، 25 الف دولار نقداً و25 الفاً بالليرة اللبنانية على سعر الصرف، مشيراً الى انّ «هذا الموضوع سيحلّ الامور نهائياً للمودعين الصغار وعددهم يتعدّى المليون و30 الف حساب، بالإضافة الى اعلام المصارف الرقم 939، والذي طلب مصرف لبنان من خلاله من جميع المصارف العاملة في لبنان تزويده خلال مهلة أقصاها 17 ايار 2021 بأرصدة ودائع الزبائن لديها بالليرة وبالعملات الاجنبية، فإنّ هاتين الخطوتين تدلّان الى انّ عملية التحضير لإعادة هيكلة المصارف وتوزيع الخسائر بين المساهمين والمودعين، سارية «بصمت»، كما ذكر الحاكم في تصريحه الاخير، وانّه يحاول تجنيب صغار المودعين اي اقتطاعات من ودائعهم عبر إخراجهم من القطاع المصرفي وتسديد قيمة ودائعهم ( جزء بالدولار وجزء بالليرة على سعر صرف السوق)، ليبقى بعد ذلك فقط كبار المودعين الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة على مرّ السنين، وتوزيع الخسائر في ما بينهم. وهذا ما جاء في الملاحظات الواردة في تقرير «ستاندر أند بورز» الاخير بعنوان «تقديرات خسائر القطاع المصرفي المميتة نتيجة تعرّضها للديون السيادية»، والذي اشار الى «انّ عملية الإنقاذ أو bail in ستقوم على الطلب من المودعين تحويل ودائعهم إلى أسهم أو ديون ثانوية subordinated debt، لكننا لا نعتقد أنّهم سيفعلون ذلك طوعاً. كما يمكن أن يُطلب من العملاء تحويل ودائعهم بالعملات الاجنبية الى العملة المحلية بسعر صرف أقل مما هو عليه في السوق».
اضغط هنا لقراءة المقال