على الرغم من ان اعداد الاصابات بكورونا، بدأت بالانخفاض الملحوظ والتدريجي جراء عملية التلقيح التي يشهدها البلد، الا ان القطاع السياحي ولا سيما المطعمي لا يزال يئن تحت وطأة معايير اجرائية وضعت له منذ بدء الجائحة.
واذا كانت هذه المعايير اساسية وضرورية لمحاولة خلق التوازن ما بين أهمية استمرار القطاع المطعمي وأهمية مكافحة الوباء الذي عرف تماما كيف يشق طريقه الى داخل المطاعم والمقاهي والملاهي، فان التزام أصحاب المطاعم بالاجراءات – من مواعيد الفتح والاقفال الى نسبة الاستقبال – كان لا بد منه لتطويق كورونا والحفاظ على صحة المواطنين، لكن ولسوء حظ القطاعات اللبنانية مجتمعة ومنها المطاعم، ترافقت الجائحة مع انهيار مالي واقتصادي لم تشهده البلاد سابقا، فما بين الانهيار والاجراءات، ضاع الالتزام واختفت المعايير!
هنا تبدو المسؤولية مشتركة لا بل غير واضحة، كما ان السباق يظهر جليا بين التدهور الاقتصادي وتفاقم الوضع الصحي، فكيف يناضل هذا القطاع؟ وهل لا زال كما عرف برئتي الاقتصاد اللبناني؟ وهل هاتان الرئتان ما زالتا قادرتين على التنفس ام انهما باتتا بحاجة الى انعاش فوري من اجل نقلة نوعية تعيد الحياة الى ما كانت عليه؟
يعتبر العاملون في القطاع المطعمي بأن الدولة هي المسؤولة عن توجيه ضربة ممنهجة لهذا القطاع وبالتالي عن القضاء على ما تبقى من محور اقتصادي حيوي في هذا البلد، في حين تتمسك الجهات الحكومية بقراراتها معتبرة ان لا شيء يعلو على محاربة الوباء القاتل، فماذا يكشف نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي عبر kataeb.org؟
يؤكد الرامي ان القطاع السياحي يتأرجح ما بين الوضع الصحي والاقتصادي، فقد شهد هذا القطاع اسوأ سنواته في العام 2019 حيث تتالت الحوادث الامنية مع حادثة قبرشمون، ثم اعلنت المصارف افلاسها وعدم تمكنها من اعادة اموال المودعين اليهم، مروراً بانفجار مرفأ بيروت الذي زلزل البلد ومعه شُلَّ هذا القطاع اذ تدمر 2069 مطعماً بشكل جزئي وكلي و163 فندقاً في بيروت، وصولاً الى الاهم ألا وهي جائحة كورونا التي كسرت ظهر القطاع المطعمي ولا تزال.”
ويعتبر الرامي ان المقوّمات السياحية فقدت بالكامل وذلك بعد احتجاز سيولة المواطنين واضمحلال قدرتهم الشرائية لافتأً الى ان5% من اللبنانيين فقط قادرون على ارتياد مطعم أو مقهى او حانة ليلية.
وعلى الرغم من ان هذا القطاع يتحمل بدوره جزءاً هاماً من مسؤولية انتشار فيروس كورونا ولا سيما اننا شهدنا، في الآونة الاخيرة، على الرغم من اقفال البلد، حانات وملاهي تستقبل الرواد وسط اكتظاظ بشري وتفلت كبير في معايير كورونا،
الا ان الرامي يؤكد ان هذه المسؤولية تقع على الدولة وحدها، فهي عليها ان تضرب بيد من حديد كونها هي الضابطة العدلية لا النقابة، وبالتالي فقد كان الاجدر بها ان تنظم عملية فتح القطاعات واقفالها وتراقب مدى الالتزام بالارشادات الوقائية كما انه كان من واجبها ان تعاقب المخالفين وتحاسبهم اذ ليس من العدل ان تحمّل القطاع بأسره مسؤولية الانتشار الوبائي المجتمعي وان تدفّعه وحده ثمن ارتفاع حالات انتقال العدوى.
واذ يعتبر ان ” القطاع السياحي في جميع انحاء كل العالم هو المتضرر الاكبر من جراء جائحة كورونا”، يلوم الرامي السلطة والوزراء المعنيين كونهم لم يقدموا اي تعويضات او تحفيزات لهذا القطاع ولم يقدموا على اي استراتيجية طارئة لاستدراك حجم الكارثة وتبعاتها، قائلاً: “منذ سنة ونصف لم نرَ اي اجراء متخذ من قبل الدولة، فالمسؤولون تخلوا عن مسؤولياتهم تاركين لنا هذا الحمل الثقيل والاسوأ من ذلك، اننا قدمنا خطة اعفائية تتضمن 14 بندأً لتسهيل امور ادارات المطاعم والملاهي واجتياز الاضرار الممكنة جراء كورونا، الا ان مجلس الوزراء لم يمرر هذه الخطة والسبب هو كالعادة التجاذبات السياسية حولها”.
تدهور القطاع السياحي وصل الى ذروته مع ارتفاع سعر الصرف وانهيار العملة الوطنية اللذين شكلا الضربة القاضية لهذا القطاع والعاملين فيه الذين بدورهم فضلوا الهجرة على البقاء في هذا البلد.
يقول الرامي في هذا الصدد ان “القطاع يشتري الغد، وهو باقٍ رغم خسارته من اجل موظفيه سيّما واننا نعمل وفق مبدأ: على قدر ما تعمل على قدر ما تخسر، كوننا نشتري البضاعة على سعر السوق ونبيعها وفق سعر صرف الدولار على 3900 ليرة.
ويشير الى ان المستثمر هو المظلوم الاكبر في هذا الاطار، كونه وثق بالبلد ووضع امواله فيه، كما التزم بدفع الضرائب والرسوم وتحمّل مسؤولية الموظفين الا ان كل هذه المملكة وقعت فوق رأسه بين ليلة وضحاها، لافتاً الى ان 896 مؤسسة اغلقت ابوابها منذ رأس السنة حتى اليوم، هذا فضلاً عن الـ 4300 مؤسسة التي سبق واغلقت في العام 2019، من اصل 8500 مؤسسة سياحية.
اما عن السيناريو الذي ينتظر السياحة في هذا الموسم، فالرامي، ليس متفائلاً على الاطلاق، وهو يؤكد أنه طالما ان العامل الاول للجذب السياحي الدسم في لبنان مغلق، وهو عبارة عن اكبر 10 فنادق 5 نجوم في البلد، فذلك يعني ان لا سياحة في العاصمة لهذا الصيف.
ويوضح الرامي ان ” السياحة الداخلية ستنشط داخل المناطق مما سيؤدي الى ازدهارها، فاللبنانيون بدأوا باستئجار البيوت والشاليهات والمنتجعات لقضاء عطلتهم فيها، الا ان بيروت العاصمة، ستبقى حزينة من دون قطاع سهر ومن دون فنادق، وبالتالي ستكون منكوبة وبدون حياة.
“القطاع السياحي والمطعمي، ورغم انخفاض اعداد الاصابات بكورونا، ورغم اعادة احيائه ايضاً في المناطق الداخلية، لن ينتعش اقتصادياً وبشكل كامل، من دون استقرار سياسي يتم ارساؤه من خلال تشكيل حكومة تعيد الثقة” بهذه الكلمات يختم الرامي حديثه لموقعنا.
قد تكون فعلاً بيروت كئيبة لهذا العام، الا ان نبض الشباب والعائلات، ولا سيما بعد عامين من الكوارث، عاد ليتفجر في مطاعم البلد ومقاهيه وملاهيه، فالقطاع المطعمي والسياحي، ولو انه يعاني، الا انه لا يمكنه ان يبقى قابعاً في قعر هذه الظروف، فهل سيكون هذه المرة مستدركاً اكثر لمخاطر كورونا وملتزماً بشدة بالارشادات الصحية المطلوبة منه ام انه سيساهم باعادة انتشار موجة ثالثة لن ترحم هذه المرّة لا كبيراً ولا صغيراً؟! وهل سنشهد التفاتة حقيقية من المسؤولين تساهم في استعادة عافية القطاع ام انهم سيتركونه يتخبط وحيدا كسائر القطاعات اللبنانية؟