خبرني – من الأمور الثابتة في حياتنا اليومية والتي نتعلمها منذ الصغر هي الابتعاد عن الأجهزة والمعدات الكهربية قدر المستطاع، واجتناب الأسلاك العارية -غير المعزولة، ولكن في منزلي الريفي المواجه لأحد خطوط نقل الطاقة، فإن الطيور، والعصافير، والحشرات، لم تلتزم بتعليمات الأمن والسلامة هذه!!
وهنا يتساءل الطفل بداخلي عن هذه الكائنات الخارقة للطبيعة، كيف لها أن تفعل هذا؟!
في الواقع ربما أنت قد تساءلت –أيضًا :- “لماذا لا تصعق الطيور التي تقف على أسلاك الكهرباء الحية؟”
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف ما هي الكهرباء، وكيف تعمل الدائرة الكهربية؟
بصفة عامة فإن المصطلح الشعبي “كهرباء” يقصد به في غالبية الأحوال أنه عبارة عن شيء ما يعبر عن الشحنات (موجبة أو سالبة).
الشحنة الكهربية: هي خاصية للجسيمات الأولية تمثل إحدى قوى الطبيعة الأربعة وهي القوة الكهرومغناطيسية، وهي التي تؤدي إلى تكوين قوى تجاذب أو تنافر بين هذه الجسيمات، وما يهمنا هنا أن هذه الشحنات عند تجمعها تكون المجال الكهربي، وما يسمى بالكهرباء الساكنة، وكذلك الجهد الكهربي، وعند تحرُّكها تكون التيار الكهربي.
التيار الكهربي:
للإستفادة من قوى الشحنات الكهربائية في التطبيقات المختلفة فلابد من تخليق التيار الكهربي، والتيار الكهربي هو تدفق الشحنات الكهربية عبر موصل.
الدائرة الكهربية في أبسط صورها تتكون من مصدر للجهد الكهربي، وحِمل أو مقاومة -وهي تعبر عن المعدة التي تعمل بالطاقة الكهربية كالمصباح الكهربي مثلًا-، وعند تسليط فرق جهد كهربي بين طرفي مقاومة فإنه يدفع الإلكترونات حاملة الشحنات إلى الحركة داخل الدائرة.
يمكن تشبيه طريقة عمل الدائرة الكهربية بمضخة المياه، فحتي يتم دفع كمية من الماء من مكان لآخر فهناك حاجة لمضخة تكوّن فرق ضغط يحرك السائل عبر الأنابيب.
المضخة تشبه مصدر الجهد الكهربي، والأنابيب تشبه الموصلات، والمقاومة الكهربية تشبه لزوجة السائل والاختناقات والانحناءات في الأنبوب، والتيار الكهربي يشبه حركة السائل.
ونلاحظ أنه لتحريك التيار الكهربي بين نقطتين لابد من وجود فرق جهد بين هاتين النقطتين، وإلا لن يكون هناك ما يدفع الإلكترونات إلى الحركة من مكانها.
بالعودة إلى الطائر الخارق الذي لا يتأثر بالتيار الكهربي على غير المتوقع…
من خلال فهمنا للفقرتين السابقتين يمكن أن نتوقع السر، والسر يكمن في نقطتين رئيسيتين:
1- فرق الجهد الكهربي:
فكما سبق ولاحظنا أن التيار الكهربي، أو حركة الشحنات لا تتم إلا بوجود قوى خارجية تدفعها للحركة. هذه القوى تنتج بوجود فرق الجهد.
ولتقريب هذه الصورة أكثر، فلنتخيل وجود صخرة على أرض مستوية، ما الذي يدفعها للحركة؟ لا شيء!.
ولكن إذا تم وضع هذه الصخرة أعلى منحدر، فإن الصخرة ستكتسب طاقة وضع عما كانت عليه بالأسفل؛ وبالتالي فإن قوى الجاذبية ستسحبها لأسفل المنحدر طالما لم يُعِقها شيء.
بالمثل، فإن وقوف الطائر فوق أحد أسلاك نقل الطاقة الكهربية يعني اكتسابه لجهد مساوٍ للجهد المار بهذا السلك، وبالتالي فإن التيار الكهربي سيتعامل مع أقدام الطائر كأنها نقاط على سطح الموصل، وسيكمل طريقه في الأسلاك متجاوزًا جسد الطائر بأكمله.
2- قاعدة تقسيم التيار:
في هذه القاعدة تبرز فلسفة اختيار التيار الكهربي لمسار حركته، فالتيار الكهربي يختار الطريق الذي يحتوي على أقل قدر ممكن من العوائق، أو كما نسميه المسار الأقل في المقاومة الكهربية (المقاومة الكهربية هي مقدار إعاقة المادة لمرور التيار الكهربي بها، وقد اكتشفها جورج أوم صاحب القانون الشهير باسمه).
وبالتالي، فإن الطائر -الذي يتحدى أفكارنا التقليدية التي تخشى أسلاك الكهرباء- يمثل بالفعل مقاومة لانهائية في دائرة تتكون من جثمانه بالتوازي مع الموصل مقاومته صفر بالمقارنة معه.
إذًا فالتيار الكهربي المندفع في الأسلاك عندما يتواجه مع مسارين أحدهما مقاومته كبيرة جدًا يمكن اعتبارها لانهائية –الطائر- مقارنةً مع مسار آخر مقاومته يمكن اعتبارها صفر، فإنه سيمر من خلال المقاومة الأقل ولن يتأثر الطائر.
ملخص:
عند وقوف طائر على أحد أسلاك نقل الطاقة فإنه يتعرض لجهد ثابت، وهذا يعني عدم وجود مسار لمرور التيار الكهربي، كما أن التيار الكهربي المتحرك بالفعل في الأسلاك عندما يصادف وجود الطائر فإنه يستكمل طريقه الأقل في المقاومة الكهربية، وفي كل الأحوال لن يتعرض الطائر للصدمة الكهربية وسيبقى آمنًا.
تطبيق:
يتم تطبيق هذا المبدأ في صيانة الخطوط الكهربية المحملة بالطاقة دون الحاجة إلى فصل التيار وذلك من خلال استخدام طائرة هيلوكوبتر، كما في الفيديو التالي: