اعتبرت أوساط سياسية عبر “العرب” أن “الأزمة بين الرئيسين سعد الحريري وميشال عون بلغت طريقا مسدودا يلغي أي احتمالات بقرب تأليف حكومة تنقذ لبنان الذي يوشك على الانهيار”.
على الرغم من إقفال ملف الرسالة الرئاسية الى المجلس النيابي، فإن حبس الأنفاس ما زال مستمراً على وقع التصعيد والتوتر في الخطاب السياسي في جلسة الأونيسكو بالأمس، والتي شكّلت بكل تفاصيلها الخطوة الميدانية الأولى باتجاه تكريس منحًى انقسامياً جديداً سوف تتم ترجمته بحسب معلومات موثوق بها، من خلال إطلاق عملية صياغة تحالفات سياسية جديدة، لا سيما من خلال الوضوح الذي ارتسم في موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري ، الداعم للرئيس المكلف سعد الحريري، بحيث بدا من الطبيعي وعلى الرغم من المواقف التي أعلنها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أخيراً، تجاه الحريري، أنه سيمشي في هذا الحلف السياسي إرضاءً لبري، وذلك ربطاً بالواقع العربي وبمواقف بعض القوى التي تميل إلى مثل هذه الإصطفافات في مواجهة الحلف الآخر، والذي يشكل محوره الأساسي «التيار الوطني الحر».
ومن ضمن هذا السياق، ركزت المعلومات على إشارة الحريري الواضحة، إلى أن التشكيلة الحكومية ما زالت صالحة، ولن يشكّل حكومة كما يريدها رئيس الجمهورية أو «التيار الوطني» أو أي فريق سياسي آخر. وبالتالي، بات جلياً أن حكومة تصريف الإعمال، ستستمر حتى نهاية العهد الحالي باعتبار أن الحريري» لن يعتذر ولن يشكّل «، إلاّ وفق معجزة سياسية بضغوطات دولية واقليمية، وهذا الأمر غير متوافر اليوم ، كما نقلت المعلومات عن مصادر ديبلوماسية، التي أوضحت أن الاولوية تنصبّ باتجاه تطورات غزة والقدس وحتى الساعة لم تتبلور عملية المفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي، مما يعني أن لبنان سيبقى على حاله، ومن الصعب إذا اعتذر الحريري، أن يتم تكليف شخصية أخرى لا تحظى بدعمه . وبالتالي، فإن كل هذه العوامل مجتمعة ستؤدي الى اصطفافات وتحالفات إستعدادا للإستحقاقات القادمة أكان على صعيد الإنتخابات النيابية في حال حصولها، او الانتخابات الرئاسية إن لم يحصل اي فراغ كما كان عليه الحال قبل انتخاب الرئيس عون.
ومن هذا المنطلق تقول المعلومات، أن الايام القليلة المقبلة ، ستكون حافلة بالردود والردود المضادة المرتقبة على كلمة الحريري، وإن التصعيد سيستمر من قبل الافرقاء كافة وتحديداً بين «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، بعدما اتّسعت هوة الخلاف بينهم.
في المقابل، ثمة ترقب للموقف الدولي وفي طليعته الفرنسي، في ضوء ما تطرّق إليه الحريري في كلمته، لأن السؤال المطروح هو، هل الفرنسيون في أجواء ما قاله الحريري؟ وهنا تقول المعلومات ان ثمة ضرورة لقراءة مواقف جنبلاط الأخيرة، التي استبقت الجلسة النيابية، عندما انتقد معظم القوى السياسية المعطّلة، إضافة ألى توجيهاته لكل أعضاء كتلة «اللقاء الديموقراطي»، بعدم الدخول في أي سجالات مع أي طرف كان وعدم اتخاذ اي موقف، باستثناء المواقف المتعلقة بالوضع الإجتماعي والأمور المتصلة بقضايا الناس فقط، وذلك قبيل مغادرته إلى باريس، بمعنى انه أدرك استحالة التوافق بين بعبدا وبيت الوسط، وكذلك عدم القدرة على تشكيل حكومة في هذه الظروف، وبالتالي، فإن لبنان أمام أزمات عديدة وفراغ سياسي ودستوري.
وإزاء هذا الواقع تحدثت المعلومات نفسها عن عودة الحراك الديبلوماسي إلى بيروت، ولكن من قبل طرفين فقط هما باريس وموسكو، وذلك في ضوء اتصالات جرت لتبريد الأجواء خوفاً من أي تطورات سلبية انطلاقاً من الأزمة الحكومية. وخلصت إلى أن المرحلة المقبلة قاسية واللعبة مفتوحة على كافة الإحتمالات والتصعيد غير المسبوق متوقع بين بعبدا وبيت الوسط، في حين تبقى المخاوف من فوضى متنقلة على خلفية فقدان وغياب السلع الاساسية من الأسواق وقي مقدمها الدواء.
فادي عيد- الديار
تجاوز مجلس النواب الغرق في تفسير الدستور وتأويله. فالرئيس نبيه بري نجح في تجنب إعطاء المشكلة السياسية القائمة طابعاً دستورياً، وعبر بين الخطوط: تجاوب مع رسالة رئيس الجمهورية وعمل على مناقشتها. لكنه حرص على تجنب انفجار الجلسة النيابية، وتدارك أن تؤدي الأزمة السياسية إلى الانفجار داخل المجلس.
رواية الحريري وصيغة بري
في الخارج المعركة السياسية مستمرة، خصوصاً بعد موقف الرئيس المكلف سعد الحريري المرتفع السقف، وتحميله رئيس الجمهورية مسؤولية تعطيل الدستور وتجاوزه. ورداً على رواية الحريري المتماسكة عن عملية التعطيل، ينشغل عون بتحضير سلسلة خطوات سياسية وإجرائية هدفها إحراج الحريري.
وفي الخلاصة التي توصل إليها بري مع النواب – عدم التصويت على رسالة عون، وعدم الرد عليها بطريقة قانونية – جاء الرد سياسياً يلائم الجميع: استمرار مساعي الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية. إنها صيغة الرئيس بري: لا غالب ولا مغلوب، حسب “الموقف” – الكتاب الذي تلاه ختاماً للجلسة.
المذهب الباسيلي
ولكن المشكلة السياسية إلى تفاقم، بناءً على التباعد الكبير في مضمون كلمتي الحريري وباسيل. اتهم الحريري رئيس الجمهورية بتعطيل البلاد والدستور. وذكّر بالمذهب السياسي العوني: تعطيل الحكومات كرمى لعيون صهره باسيل. وتعطيل الاتنخابات الرئاسية، ليُنتخب هو نفسه رئيساً دون سواه.
أما باسيل فرسم في كلمته خريطة الطريق الباسيلية إياها لتشكيل الحكومة: المحاصصة الطوائفية والأسماء والحقائب. وناب عن رئيس الجمهورية في شرح أسلوب التشكيل والميثاقية. وكانت الجلسة عملياً مسرحاً لتسجيل النقاط بين الحريري وباسيل.
خطة عون الجديدة
وعمل رئيس المجلس بعد الجلسة على عقد لقاءات غير مباشرة بين الرجلين، لعلّ ذلك يسهم في تهدئة التوتر، ويمنع تفاقمه، ويفضي إلى صيغة سياسية معينة يمكن البناء عليها للوصول إلى حكومة.
وتشير المعلومات إلى أن بري كان يفكر في عقد جلسة حوار لرؤساء الكتل النيابية، يحضرها الحريري وباسيل. لكن مساعيه لم تنجح، بسبب رفض الطرفين. بناء على هذه الفكرة، كان رئيس الجمهورية قد أراد نزع الورقة من يد رئيس المجلس، فاقترح باسيل في مجلس النواب أن يدعو رئيس الجمهورية إلى طاولة حوار في بعبدا يحضرها رؤساء الكتل والأحزاب، للبحث في كيفية الخروج من المأزق الحكومي.
وهذه خطوة يفكر عون فيها ونطقها باسيل في كلمته، وغايتها سحب الورقة من يد بري، وفتح باب جديد للسجالات وتحميل المسؤولية للحريري. وليبدو عون في صورة من يسعى ويبذل جهده لعقد اللقاءات، بينما لا يقدم الحريري أي مبادرة، بل يستمر بالتصعيد.
وأمنية عون أن تنجح دعوته إلى هذا الحوار في بعبدا، ولا يوافق الحريري على المشاركة فيه، فيحمله مسؤولية التعطيل.
فقصر بعبدا لا يتوقف عن توليد أفكار وخطط من هذا النوع. وقد تولد لما بعد الرسالة إلى المجلس النيابي، خطوة قد تتطور في المرحلة المقبلة إلى دعوة للإستقالة من المجلس، بعد فشل مفعول الرسالة وفشل الدعوة إلى طاولة حوار. هذا كله مؤشر إلى توتر سياسي أكبر وفراغ أوسع واستمرار الانهيار.
بري وجنبلاط
لكن برّي لا يريد ذلك على الإطلاق. فكما لم يشأ أن يحصل اشتباك سني – ماروني، أو إسلامي – مسيحي، لا يريد للمجلس النيابي أن يكون عرضة للتهم والعراضات الشعبوية، من بوابة الدعوة إلى انتخابات مبكرة، بفعل استقالات أو بنزع الصفة الميثاقية عنه.
وأثناء تداول برّي فكرة دعوة رؤساء الكتل النيابية إلى جلسة حوار وتشاور، اقترح أيضاً فكرة عقد لقاء ثلاثي بينه وبين الحريري ووليد جنبلاط. لكنه عدل عن هذه الفكرة، لئلا تتخذ طابعاً إسلامياً في وجه رئيس الجمهورية، اللاعب على الوتر المسيحي.
واستمر التشاور بين الأفرقاء الثلاثة، على الرغم من موقف جنبلاط في مسألة تشكيل الحكومة، مساء الخميس 20 أيار، ورد فعل الحريري الغاضب منه. وتكشف المعلومات أن الحريري أجرى اتصالاً هاتفياً بجنبلاط شكره فيه على موقفه، وبهدف التنسيق والتشاور. فرغم مطالعته السياسية حول ظروف الحريري الصعبة في عملية تشكيل الحكومة، قال جنبلاط إن الحريري لا يزال ممثلاً للسنة. وعلى الرغم من الملاحظات السعودية عليه، يمكن أن يتغير الوضع ويتحسن في حال تشكيله الحكومة.