كتب أنطوان الفتى في “أخبار اليوم”:
أكثر ما بدا مُقلِقاً في المشهد الذي رافق الإستفزازات السوريّة أمس، هو صورة الساحة المسيحية، التي بدَت الأكثر تشرذماً، بين كلّ باقي الساحات اللبنانية.
ربما من الطبيعي أن تشتعل النّفوس المسيحية، نظراً الى ما للنّظام السوري من تاريخ دموي طويل، ضدّ الفئات اللبنانية المسيحيّة تحديداً. وهذا كلام لا بدّ من قوله كما هو، بلا مجاملة، ومن دون قفّازات.
ولكن ما بدا صاعقاً، هو حَجْم التفسّخات السياسية، المسيحية – المسيحية، في توصيف ما حصل، ولا سيّما على صعيد الجهة المسيحية التي من المُفتَرَض أنها حامية لحقوق المسيحيّين، والتي مارست اغتيالاً “رئاسياً” شاملاً لخصومها أمس، دون أن تأخذ في الاعتبار الذّاكرة المسيحية الشعبيّة المجروحة من دمشق. وتلتقي التفسّخات الأخيرة، مع “فصام” (Schizophrénie) عن الواقع المعيشي الصّعب للمسيحيين في لبنان، الذي تعاني منه مختلف القوى السياسيّة المسيحية.
في أي حال، تتصاعد المخاوف في البيئة المسيحية، من بطاقة “السجّاد”، ومن “القَرْض الحَسَن”، باعتبار أن تلك التقدمات التي يوفّرها “حزب الله” لبيئته، تشكل فيديرالية خاصة، خارجة عن المؤسّسات الدستورية، وذلك رغم أن “الثنائي المسيحي” (“التيار الوطني” و”القوات”) حلم بإنشاء ثنائية مسيحية، تتماهى مع (الثنائية) الشيعية، من حيث التنظيم والقوّة.
ولكن انقلاب “التيار الوطني” على “اتّفاق معراب”، حال دون ذلك. وكأنه كُتِب على المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، أن يتمسّكوا بالفردية، وبالصّراع على الزعامة، في أوقات السّلم والخطر معاً.
في ظلّ الأزمة الإقتصادية الخانقة، ووصول نسبة تفوق 60 في المئة من اللبنانيين الى خط الفقر، نتحدّث عن رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، الذي بحسب معطيات كثيرة، هو الأكثر احتكاكاً مع المعاناة الإقتصادية التي يعيشها الفقراء في الجبل. وهو يلتزم بما كان أعلنه خلال اجتماع في المختارة، سابقاً، عن أنه لن يدع أحداً من الموحّدين الدّروز يصل الى مرحلة العَوَز. وقد وصل الدّعم في منطقة راشيا مثلاً، الى توفير المازوت للأهالي في الشتاء، عبر الحزب “الإشتراكي”.
وانطلاقاً ممّا سبق، لم لا تذهب الأحزاب المسيحية في الإتّجاه الدّرزي نفسه، والشيعي (بطاقة “السجّاد”، “والقَرْض الحَسَن”) نفسه، لا سيّما أن أي عمل مسيحي في هذا الإطار، يُمكنه أن يكون نموذجاً شرعياً وقانونياً أمام أعيُن الجميع، نظراً الى أنه لن يشكّل دولة مسيحية ضمن الدولة اللبنانية.
وبالتالي، لم لا تجتمع كل التيارات المسيحية، المارونية وغير المارونية، تحت رعاية بكركي، رغم الخلافات السياسية، وتطلق مشروع بطاقة “مار مارون” مثلاً، خصوصاً أن الرعايا تمتلك المعلومات المطلوبة، و”الداتا” اللازمة، لمن هُم أكثر فقراً في الطوائف المسيحية؟
الثابت هو أن لا أهمية للسياسات والاستراتيجيات، ما لم تقترن بالتطلُّع الى القضايا الإجتماعية والإنسانية، والى مساعدة المعوزين.
وفي الإطار عينه، نسأل “القوات اللبنانية”، أما حان وقت الإهتمام بالقضايا الإجتماعية والإنسانية، بالتزامن مع شعار الإنتخابات النيابية المبكرة، وانتظار نتائجها؟
فالمواطن المسيحي الذي يعيش العَوَز والفقر، لا يتفاعل مع هواجس “القوات” الإنتخابية، ولا مع تأمين لقاح من هنا أو من هناك، ولا مع الإكتفاء بدعم المعوزين في قضاء بشري، بل مع وجوب سعيه (حزب “القوات”) وانضمامه الى مشروع معيشي للمسيحيين الفقراء.
أما بالنّسبة الى “التيار الوطني”، فحدّث ولا حَرَج. فهو يطالب بحقوق المسيحيين، ويُصعِّد الخطاب المسيحي بقوله إن الرئيس المكلّف سعد الحريري يهمّش المسيحيين. ولكن الهواجس التي يطلقها “التيار” لا تتناغم مع تطلّعات الشارع المسيحي الفقير.
فحقوق المسيحيين تكمُن في العيش بكرامة، وليست في وزير من هنا، أو بآخر من هناك. ومن يريد الحفاظ على الحقوق، لا بدّ له من مساعدة الإنسان المسيحي أوّلاً.
ولقول الحقيقة كما هي، نُشير أيضاً الى أن الرهبانيات المسيحية لم تعمل على مبادرات فعلية ترفع المعاناة عن الشعب المسيحي المسكين.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، نلفت الى ضرورة تأجير الأراضي للمستحقّين، وليس للمحظوظين. فلا يجوز أن نترك المقاعد الأولى للأشراف والأغنياء، وإقصاء الفقراء. فهذا الواقع يتناقض مع تعاليم السيد المسيح.
لقد حان الوقت المناسب، لتجمع بكركي الأحزاب المسيحية، والرهبانيات، ورجال الأعمال المسيحيين، بما يؤسّس لإطلاق بطاقة “مار مارون”، أو أي مشروع آخر، يساعد على بقاء المسيحيين في أرضهم وبلدهم، قبل أن يهجروه. ففي تلك الحالة، لن تنفعهم الإنتخابات، ولا الحياد، ولا “التحييد”.