بالصمت المُطبَق، تسلّح “حزب الله” خلال اليومين الماضيين، فلم ينبس ببنت شفة تعليقًا على السجالات المتسارعة، من تصريحات الوزير شربل وهبة، التي تسبّبت بـ”تنحّيه” من المشهد، على طريقة “طلب إعفائه من مهامه”، إلى “رسالة” رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البرلمان، “شاكيًا” رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، “العاجز” عن إنجاز المهمّة المُلقاة على عاتقه.
باختصار، التزم “حزب الله” بسياسة “النأي بالنفس”، التي لطالما “تحفّظ” عليها، فيما اعتبر بعض الدائرين في فلكه أنّ الحرب التي يشنّها العدو الإسرائيلي على غزة هذه الأيام تعلو ولا يُعلى عليها، وبالتالي فإن الانشغال عنها بتفاصيل الداخل ودهاليزه قد لا يكون “مُجديًا”، أمام “عظمة” القضية والتضحيات التي تُبذَل في سبيلها.
ولعلّ البيان الذي صدر عن كتلة “الوفاء للمقاومة” بعد اجتماعها الدوري بالأمس عكس هذه النظرة، حيث لم يحضر الملفّ اللبنانيّ سوى بفقرةٍ يتيمة، اقتصرت أصلاً على العموميّات، من قبيل الدعوة لتشكيل الحكومة، باعتبارها المدخل الطبيعي والحصري لوضع خطّة الحلّ والإنقاذ ومواجهة المشاكل والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها الشعب.
تصريحات وهبة
بالنسبة إلى تصريحات وزير الخارجية المتنحّي شربل وهبة، يرى البعض أنّ صمت “حزب الله” كان طبيعيًا، إذ إنّ أيّ كلمة تصدر عنه يمكن أن “تُحمَّل” أكثر ممّا تحمل، علمًا أنّ هناك من اتهم الوزير المستقيل من مهامه بأنّه تحدّث بلسان “الحزب” في المقام الأول، خصوصًا حين وجّه انتقاداته واتهاماته لدول الخليج، التي يتجنّبها في العادة “التيار الوطني الحر”.
ومع أنّ “حزب الله” قد يشارك الوزير وهبة بعض ما قاله، حتى أنّ بعض جمهوره “الافتراضيّ” لم يُخفِ “حماسه” للانتقادات، فإنّ العارفين بأدبيّات “الحزب” يؤكدون أنّه ليس من مؤيّدي الكلام الذي قيل، وبالطريقة التي صدر فيها، فما يسمح قياديو “حزب الله” لأنفسهم بقوله، من باب الخصومة مع السعودية أو غيرها، قد لا يكون مقبولاً من وزير الخارجية، بالمنصب الرسميّ الذي يشغله، والذي يُعتبر “رأس الدبلوماسيّة”.
ويلفت هؤلاء في هذا السياق إلى “نماذج” الوزراء المحسوبين على “حزب الله”، والذين يفصلون دومًا بين مهامهم الحزبيّة، إن وُجِدت، وتلك الرسميّة، بعيدًا عن أيّ انفعال، لأنّ “مصلحة” البلد ككلّ تبقى فوق كلّ اعتبار. إلا أنّ “الحزب” الذي يُستبعَد أن يصدر عنه أيّ موقف “مؤيد” أو “مُعارِض” للوزير، لم يكن على الأرجح راضيًا عن “الزوبعة” التي تلت التصريحات، ولا سيما على طريقة “الاعتذارات الجماعية” التي يرى أنّه كان بالإمكان تفاديها، بشكل أو بآخر.
“رسالة” عون
وبقدر “الإحراج” الذي يمكن أن تكون تصريحات وهبة و”الزوبعة” التي أثارتها سبّبته لـ”حزب الله”، فإنّ “رسالة” عون إلى البرلمان بدت بـ”إحراج مضاعَف”، خصوصًا أنّ “الحزب” قد يجد نفسه مضطرًا عند نقاش مضمونها في البرلمان إلى اتخاذ موقف منها، بعدما “وازن” في الفترة الأخيرة بين تحالفه المُطلَق مع الرئيس عون ودعمه للرئيس المكلّف الحريري.
ويقول البعض في هذا السياق، إنّ هذه السياسة لا تزال على حالها في “حسابات” الحزب، فهو لا يزال حريصًا على علاقته برئيس الجمهورية، التي يرفض “التفريط” بها، لما توفّره له من “غطاء” لا يزال بحاجة إليه، وفي الوقت نفسه لا يزال متمسّكًا بالرئيس المكلَّف، لاعتقاده أنّ المرحلة تستوجب وجوده في السراي الحكومي، وأنّ لا “بديل” عنه في الوقت الحاليّ، سوى إذا كان الاتفاق على هذا “البديل” بمباركة الحريري وموافقته.
وإزاء هذا “الإحراج”، يجد البعض أنّ “السيناريو” الذي يمكن أن يُعتمَد في نهاية المطاف، قد يكون “مُستنسَخًا” عن موقف الحزب عشيّة الاستشارات، بحيث “يساير” رئيس الجمهورية في موقفه في العلن، بعد أن “يضمن” استمرار الالتفاف حول الحريري من خلف الكواليس، وهو ما مهّد له أصلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي سرّبت أوساطه “التضامن الكامل” مع الرئيس المكلَّف في وجه الرسالة الرئاسية وتجلّياتها.
قد يكون صمت “حزب الله” معبِّرًا، خصوصًا أنّ كثيرين يعتقدون أنّه لا يزال قادرًا على رسم وبلورة “خريطة الطريق” في البلاد. إلا أنّ هذا “الصمت” ليس وليد أحداث هذا الأسبوع، برأي البعض، بعدما غابت التفاصيل الحكوميّة عن الخطابات الأخيرة لقادته، بمن فيهم أمينه العام السيد حسن نصر الله. فهل يمهّد “النأي بالنفس” لتسوية ما طال انتظارها، أم يكون تعبيرًا عن “أفق مسدود” لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن يقود البلاد؟!
المصدر: لبنان 24