كتبت سلوى بعلبكي في “النهار”:
صحيح ان مصرف لبنان لم يعلن رسميا انطلاق عمل منصة “صيرفة” (Sayrafa)، ولا يبدو ان في نيته ذلك، إلا انه يمكن القول ان العمل فيها أصبح واقعا بعد تبنّي معظم المصارف، وخصوصا الكبيرة منها، للمولود الجديد “صيرفة”، وإنْ على مضض، فيما لا يزال عدد قليل منها يقوم بالتجارب التقنية بمساعدة مصرف لبنان لتجاوز المعوقات التي تواجهها، علما أن مصرف لبنان أعطى الضوء الاخضر للمصارف للمباشرة بالعمل فيها بدءا من اليوم، في حين ان الصيارفة سبقوها اليها بدءا من يوم أمس.
حتى الساعة يبدو الإرباك سيد الموقف، وهو أمر طبيعي، إذ إن ربط المصارف والصرافين بالشبكة قد يستغرق اياما، عدا عن الوقت الذي يمكن ان يستغرقه الموظفون في هذه المؤسسات للتكيف مع برامج مصرف لبنان الخاصة بالنظام الجديد، والتي تم تثبيتها على معظم وحدات الكومبيوتر، إلا أن الثابت هو ان الإستعدادات اللوجستية والبشرية اكتملت، وسيتم العمل بها تدريجا.
أما التساؤلات عن سعر الصرف الذي ستعتمده المنصة، او عن مصادر تأمين الدولار للتداول به في المنصة بيعا وشراء، فلا تزال من دون أجوبة حتى الآن على رغم سؤال “النهار” مدير المنصة في مصرف لبنان عباس عواضة الذي اكتفى بالتأكيد أن العمل حاليا يتم وفق سعر السوق كـ”تجربة” ولفترة محددة، وعلى اساسه سيحدد حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي لاحقا طريقة التدخل والسعر الذي سيُعتمد. مع الاشارة الى أن مصرف لبنان لم يحدد سعر صرف دولار المنصة في أيّ من تعاميمه وبياناته، باستثناء ما كشفه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني من أن سعر الصرف الذي ستعتمده المنصة سيكون في حدود الـ 10 آلاف ليرة، إلا أن مصادر مصرفية استبعدت التداول بهذا السعر، وكشفت أن ثمة مفاوضات قائمة حاليا بين مصرف لبنان والمصارف لمعالجة بعض المشكلات التطبيقية واللوجستية، وتحديدا حيال سعر الصرف الذي سيتم تداوله في الفترة الاولى، مشيرة الى ان مصرف لبنان أوعز اليها بتحديد سعر الصرف اليومي وفق العرض والطلب لكل مصرف أو مؤسسة مصرفية، على ألّا يكون الهامش بين سعر المبيع والشراء أكثر من 100 ليرة، غامزة الى أن الإتجاه السائد بين المصرفيين هو لشراء الدولار وليس لبيعه أقله في بداية انطلاق المنصة.
أما عواضة فيوضح أنه عندما تضع كل المصارف ومعها الصرافون كل أرصدتهم ويبيعون ويشترون عبر المنصة، سيكون حجم السوق وحركة عمليات الشراء والبيع واضحة، وعلى اساسه يبنى على الشيء مقتضاه. وبالنسبة الى مصير السوق السوداء التي يحبذ عواضة تسميتها “السوق الموازية”، فيأمل من المنصة أن تساهم في تحجيمها أو إلغائها انطلاقا من أن عملية التداول اصبحت مفتوحة للجميع من أفراد وتجار، شرط ان تكون هناك مبررات مدعمة بالمستندات تثبت الحاجة الى شراء الدولار. من النقطة الاخيرة التي أوردها عواضة ينطلق الخبير المصرفي والمالي جان طويلة ليؤكد أن “الآلية التي وضعها مصرف لبنان للحصول على المعلومات هي آلية معقدة جدا، بدليل أن الصرافين الذين بدأوا العمل بالمنصة لا يسجلون كل عملياتهم عليها، خصوصا انها تتطلب سؤال الزبائن عن الكثير من المستندات والاوراق الثبوتية، وتاليا وضع نسخ عنها في البرنامج المخصص لـ “صيرفة” بما يتطلب جهدا أكبر والاستعانة بموظفين أكثر وهو أمر يفوق امكاناتهم وقدراتهم”. ويعول على مدى قدرة مصرف لبنان وتعاونه في تسهيل الآلية ليكون في مقدور الجميع من مصارف وصيارفة القيام بتسجيل عمليات التداول على نحو يمكّن من الغاء السوق الموازية. ويؤكد طويلة ان “الآلية معقدة جدا وتشكل عائقا حقيقيا لانطلاق المنصة بشكل سلس”.
وإذ يشدد على “ان العبرة في التنفيذ”، يشير الى أنه “لا تزال ثمة نقاط تنتظر المصارف من مصرف لبنان ايضاحها، وخصوصا حيال نيته تغذية المنصة بأموال لدعمها أقله في الفترة الاولى”.
كيف انطلق العمل في المنصة؟ وهل من معوقات أمام انضمام المصارف أو الصيارفة؟
فيما وصفت مصادر في مصرف لبنان انطلاق عمل المنصة بالـ Soft Launching، إذ يتم حاليا “تشحيمها” تحضيرا للانطلاق الفعلي، أكد عواضة لـ “النهار” أن “الامور تسير وفق ما هو مخطط لها من دون أي معوقات. فالمنصة بدأت رسميا، ولكن لا يزال هناك بعض التأخير من بعض المصارف والصيارفة على خلفية التأقلم التقني مع برنامج “صيرفة” الجديد”، مؤكدا ان غالبية المصارف والصيارفة انضموا الى المنصة في ما عدا عدد قليل منهم لا يتجاوز عدد اصابع اليد حيث تتم معالجة الأمور التقنية معهم لمباشرة العمل فعليا. وهو ما أكدته مصادر أخرى في “المركزي” التي قالت ان المصارف الاساسية، وتحديدا الكبيرة، بدأت بالتعاون مع المنصة. أما المصارف التي لم تشارك حتى الآن فغالبيتها صغيرة ولا تزال في طور تكوين السيولة من خلال التعميم 154. وأما مصادر المصارف فتشير الى ان عدم حماسة المصارف له مبرراته، خصوصا حيال تمويل المنصة، فهي قطعا لن تمولها من السيولة التي كونتها وفقا لمندرجات التعميم 154 الذي ستستخدمه لإعادة تكوين حساباتها لدى المصارف المراسلة ولتمويل القروض في المرحلة المقبلة، بما يعني أن العملية ستقع على عاتق مصرف لبنان الذي ترجح أن يضخ في المنصة مبالغ قد تراوح ما بين 5 و10 ملايين دولار يوميا أقله في الفترة الاولى، ريثما ينتظم عملها وتصبح على استعداد لتمويل نفسها بنفسها.
إطلاق المنصة كان له تأثير ضئيل أو معدوم على انخفاض سعر صرف الدولار، علما انه عندما اشيع عن اطلاقها انخفض سعر الدولار بمعدل بسيط ولكن سرعان ما عاود ارتفاعه… فهل يمكن أن ينخفض الدولار لاحقا، ومتى يمكن ان يتدخل مصرف لبنان؟ مصادر “المركزي” قالت لـ”النهار”: “لن نكشف كل أوراقنا حيال التدخل في آلية عمل المنصة، لأن عملنا حينها لن يجدي نفعا”، إلا أن عواضة أوضح في موضوع مساهمة المنصة في خفض سعر الدولار بالقول: “عندما تسير الامور بشكل طبيعي في المنصة سترتاح السوق، ومن دون أدنى شك ستكون لها نتائج ايجابية على السوق”.
الى ذلك، تفيد مصادر مصرفية بأن عدم دخول المصارف في هذه العملية كطرف أساسي “سيؤثر طبعاً في النتيجة المرجوة من إطلاق هذه المنصة، إذ إن الوصول إلى سوق شفافة يستوجب انخراط جميع اللاعبين فيها”، في حين يشير الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة في حديث لموقع “النهار” الالكتروني إلى أن المصارف “مضطرة بشكلٍ أو بآخر إلى أن تشارك في هذه المنصة وإلّا تقصي نفسها بنفسها، فـالمنصة ليست كبسة زر لتلجم سعر صرف الدولار، والأمر قد يستغرق وقتاً كي ينتقل الطلب من السوق السوداء إلى المنصة”. الشفافية من خلال هذه المنصة، برأي عجاقة، “مضمونة لأنّ المعلومات التي تتضمّنها لتكوين سعر الصرف مفتوحة للجميع، وما هو مؤكّد علمياً، أنّ عنصر المضاربة وكل ما هو خارج الماكينة الاقتصادية، لن يكون موجوداً على هذه المنصة لأنّها تخضع للمراقبة”. ويشكّك عجاقة في ألّا تكون المصارف على جهوزية تقنية للعمل بالمنصة، فهي منذ أكثر من شهر تخضع لدورات تدريبية على المنصة، “لكن ممّا لا شك فيه أنّ المصارف ليست متحمِّسة جداً للذهاب إلى العمل بالمنصة لأنّه مطلوب منها في هذا الإطار ضخ دولارات في المنصة”. لكن “الأكيد أنّ جميع الشرفاء سيدخلون إلى المنصة وسيتركون السوق السوداء لمن لديه أعمال مشبوهة، سواء التهريب أو التهرّب الضريبي أو ما شاكل”.