طلب مصرف لبنان الى المصارف إعطاء «جرعة» من الدولارات للمودعين، أضيف الى باقي الوعود التي ما زالت «عرقوبية»! من البطاقة التمويلية، وقبلها التموينية، والدولار الطلابي، الى توزيع خسائر الفجوة المالية، وتوحيد سعر الصرف واستعادة الأموال المهربة والكابيتال كونترول الى التدقيق الجنائي الذي ما زال غامض المسيرة مجهول المصير، الى ترشيد الدعم الذي أوقف قبل ترشيده، فيما يستمر ارتفاع الدولار ومعه جنون الأسعار: من البنزين والدواء والاستشفاء والغذاء الى باقي مواد الاستهلاك التي ارتفعت في آذار ٢٠٢١ بالمقارنة مع آذار ٢٠٢٠ نحو 148,9% والسلع المعمرة 267,1% والنقل والاتصالات 158,5% والملبوسات 277,4% والماكولات والمشروبات 174,8%، حتى قبل إلغاء الدعم الذي يطال ٩٣ سلعة وبلغت كلفته بين نيسان ٢٠٢٠ و٢٠٢١ نحو ٦ مليارات و٢٣٧ مليون دولار موزعة على المشتقات النفطية، الفيول والمازوت والغاز، الى الدواء والقمح وباقي المواد الغذائية.
ومقابل هذا الارتفاع المتواصل في أسعار السلع المعيشية والمواد الضرورية، يتواصل الانكماش في مختلف المؤشرات الاقتصادية.
ففي خلال الفصل الأول من هذا العام تراجعت الودائع بقيمة ٢١٩١ مليون دولار الى 136,9 مليار دولار لغاية آذار ٢٠٢١ مقابل 139,1 مليار دولار لغاية آذار ٢٠٢٠ و158,9 مليار دولار نهاية ٢٠١٩ مقابل 174,3 مليار دولار نهاية ٢٠١٨ وتراجعت قيمة الشيكات المتقاصة 60,6% وقيمة المبيعات العقارية 1,5% وتراجعت مبيعات السيارات الجديدة 75,5% وعدد المسافرين الذين استخدموا المطار 53,4% وارتفع مجموع أرقام موازنة العامة ٢٠٢١ من 18,259 ألف مليار ليرة الى 18,777 ألف مليار ليرة، ما أدى الى زيادة العجز من 4,68 ألف مليار ليرة الى 5,198 ألف مليار ليرة (3,46 مليار دولار) ليس من الواضح أو المأمول تغطيتها. مع احتمال ازدياد هذا الرقم بسبب صعوبة تطابق توقعات الواردات مع التحصيلات (7,9 واردات ١٠ أشهر من ٢٠٢٠ مقابل 8,9 واردات الفترة نفسها ٢٠١٩) في ظل الانكماش الاقتصادي ٢٠% عام ٢٠٢٠ مضافا إليه ٩% معدل انكماش ٢٠٢١ في مختلف القطاعات، وصف بأنه الانكماش الوحيد في هذا العام بين مختلف الاقتصادات العربية.
ويبقى السؤال: إلى أين؟
الجواب: الى حيث يأخذ الفقر والمرض والجوع ما تبقّى من الاستقرار الى «انفجار اجتماعي» لا سيما في حال رفع الدعم عن الحاجيات الأساسية. ودون أن يملك أي كان أي تصوّر عن طبيعة وشكل هذا الانفجار سوى فوضى عارمة على يد الجماهير، يلحق بها تهاوي الطبقة الوسطى التي متى انهارت تحت مطرقة الغلاء والفقر والمرض والعوز والبطالة، باتت هي القادرة على تحويل فوضى الجماهير الى الثورة والتغيير، كما كان حالة غالبية الثورات في العالم من الثورات الانكليزية ١٦٤٢ والأميركية ١٧٧٥ الى الثورة الفرنسية ١٧٨٩ والروسية ١٩١٧ وباقي الثورات من الصين والهند الى البرازيل وتشيلي بقيادة الطبقة الوسطى التي (حسب دراسة لمؤسسة «كارنيغي») ارتفع عددها خلال الجيل الماضي من ٣٠% الى ٥٢% من سكان العالم، والتي بسبب استمرار تدهور مستوى معيشتها الى الفقر والاحباط والغضب باتت «الخطر الأكبر القادم» على أنظمة الفساد الاقتصادي والاقطاع السياسي في العالم… ولبنان ليس الاستثناء بل قد يكون مع استمرار تدهور الأحوال… النموذج والمثال!
المصدر اللواء – ذو الفقار قبيسي