ترشيد أو رفعٌ للدعم، ارتفاع سعر الدولار، عجزٌ عن تأمين الفيول للكهرباء، ارتفاع فاتورة المولّدات الخاصة، انخفاض القدرة الشرائية للرواتب، زيادة في معدّل البطالة، انتشار فيروس كورونا.. عناوين كثيرة لأزمة واحدة، أخطر صُوَرِها تهديد الأمن الصحيّ.
وإن كانت الشريحة الأكبر من اللبنانيين غير قادرة على تأمين كلفة الاستفشاء، تحديداً في المستشفيات الخاصة، فالجميع سيكون أمام أزمة صحية فيما لو ذهبت المنظومة السياسية في تعنّتها، إلى حد رمي البلاد بعتمة شاملة باتت غير بعيدة، بفعل عدم القدرة على تأمين الدولار الكافي لاستيراد الفيول، من جهة، وتهديد شركة كارادينيز بمغادرة لبنان، من جهة أخرى.
المولّدات ليست حلاًّ
انقطاع الكهرباء عن المستشفيات سيعني كارثة صحية لا تحمد عقباها. أما استسهال الحديث عن اعتماد المستشفيات على مولّداتٍ خاصة، فهو مطلب غير منطقي، وتشوبه ملاحظتان أساسيّتان، الأولى انعكاس كلفة المولدات الخاصة، من أسعارها إلى صيانتها ووقودها، على الفاتورة الاستشفائية، والثانية عدم توفّر الدولارات الطازجة لشراء مولّدات إضافية.
وصول البلاد إلى عتمة شاملة تلوح في الأفق، بدءاً من نهاية الأسبوع الجاري، وفق ما يتوقّعه النائب نزيه نجم، يعني أن على المستشفيات إيجاد حلّ فردي. ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من التفكير. فالمولّدات هي السبيل الوحيد لتعويض النقص في الكهرباء. لكن لهذا الخيار تداعيات تبدأ من “ارتفاع كلفة السرير لليوم الواحد من 90 ألف ليرة إلى نحو 120 ألف ليرة”، وفق ما يؤكّده نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، في حديث لـ”المدن”.
المولّدات تحتاج إلى صيانة دورية وتأمين الفيول، لكن في جميع الحالات، “هي غير مصمّمة لتعمل 24 ساعة متواصلة. ولذلك، يستحيل الحديث عن المولّدات كخيار بديل لمدى قد يمتد لشهرين أو ثلاثة”. أما في حال اضطرار المستشفيات لاعتماد المولّدات، فإن “الدولار المطلوب لشرائها، غير متوفر بالقدر الكافي. ولذلك، المولّدات ليست حلاًّ مناسباً لأزمة العتمة”.
سيناريو مرعب
لا أحد حتى الآن يمتلك الإجابة الشافية لمعضلة التقنين. ومَن تناط بهم تلك المسؤولية، يتبادلون التهم والصفقات. والدولة برأي هارون “لا تعرف ماذا تفعل. وهي غير مستعدة لفعل شيء”. ويتساءل هارون عن إمكانية الدخول في سيناريو العتمة الشاملة، ليجيب تلقائياً بقتامة المشهد وغياب إمكانية التكهّن عمّا يمكن للدولة الركون إليه.
عدم انقشاع الرؤية من ناحية الدولة، يُربك المستشفيات. وهُنا، لا مجال للفرضيات فـ”هل يمكننا التساؤل عمّا يمكن أن يحصل إذا انقطع الأوكسيجين في الهواء؟ كذلك لا يمكن التكهّن عمّا سيحصل إذا انقطعت الكهرباء بشكل كامل. فانقطاع الكهرباء أمر جنوني ستكون المستشفيات خلاله أمام سيناريو مرعب”. على أنَّ أكثر ما يقلق في هذه المسألة، هو انعكاسها على مرضى غسيل الكلى وكورونا، إذ تحتاج الآلات والمعدّات لتأمين الكهرباء بشكل متواصل.
هل يوجد حل؟
المستشفيات لا تملك حلولاً لمثل هذه المشاكل. فوجود المولّدات أمر بديهي، لكنه لحالات الطوارىء، لحالات الانقطاع المفاجىء، أو التقنين البسيط لكهرباء الدولة، فيما مولّدات المستشفيات اليوم، تعوِّض تقنيناً يصل إلى نحو 16 ساعة يومياً. وتداركاً للنتائج الكارثية في حال الوقوع في عتمة شاملة، يقترح هارون أن تقوم الدولة بـ”تأمين الكهرباء للمناطق التي تتركّز فيها المستشفيات، على الأقل بحدود 12 ساعة يومياً، وإن استفاد جزء من المواطنين المحيطين بالمستشفيات”.
هي حلول جزئية لا تفيد على المدى البعيد. ولا يبدو أن المنظومة تمتلك الحلول أو تريد تنفيذها في حال توفّرت. فلو أرادت، لما افتعلت الأزمة. ومع ذلك، من المضحك ملاحظة تحايل المنظومة على الواقع، فتتّفق على إيجاد منفذ صغير، حين يشتد الضغط عليها، وهو ما يُتَوَقَّع حصوله لتأمين الفيول. ولذلك، قد تلجأ المنظومة لحلحلة معضلة سلفة الخزينة المقرّة ظاهرياً بقيمة 300 مليار ليرة، وباطنياً بقيمة 2400 مليار ليرة، وهي القيمة الحقيقية للـ200 مليون دولار في السوق.