كتبت نجاة الجميّل…
من يعود بالذاكرة 32 عاماً إلى الوراء، يسترجع أيام الحصار، يوم كان اللبنانيون يصطفون طوابير أمام محطات المحروقات، من دون أن يتمكنوا من تعبئة خزانات وقود سياراتهم. ما أشبه اليوم بالأمس، وما أبشع ما يجري من ذل وعار يعيشه المواطن في كل لحظة، أمام تأمين أساسيات معيشته.
مشهد نهاية الأسبوع، الذي كان ذروة الفترة الماضية، بدا مخيفاً. طوابير من السيارات أمام عدد محدود من محطات المحروقات التي راحت تعبئ بـ10 و15 ليتراً كحد أقصى، فيما العدد الأكبر أقفل أبوابه بالكامل، مبرراً بأن خزاناته فرغت.
زاد الأمر بلبلة، الحديث عن رفع الدعم، على الرغم من أن مصرف لبنان لم يصدر حتى الساعة، قراراً بذلك. وفي تفاصيل الأزمة غير المستجدة، إنما المتفاقمة، أن شركات التوزيع لديها جزء محدود من المحروقات، إلا أن وصول بواخر البنزين الى الشاطئ اللبناني وفق آلية الاستيراد المعتمدة لم يحل الأزمة، لأن مصرف لبنان لم يفتح بعد الاعتمادات اللازمة لتحول الى الخارج.
وفي السياق، تقول مصادر متابعة للملف، أن التأكيدات الرسمية بعدم رفع الدعم لم تعد كافية، لأن بقاء الوضع على حاله، يقابله التحضير لرفع فعلي للدعم، فيمتنع “المركزي” عن توقيع طلبات الاستيراد، وبذلك يكون الأمر قد تم، بانتظار الإعلان عن ذلك رسمياً، لكن ليس قبل نهاية الشهر الحالي.
وتشير، لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن أزمة المحروقات مرشحة لأن تتفاقم في الفترة المقبلة، فتتغير طبيعة الزبائن، لتقتصر على من تسمح له قدرته المادية بتعبئة سياراته بتنكة بنزين قد يتجاوز سعرها الـ150 ألف ليرة، مبدية أسفها للانهيار الفظيع التي وصلت اليه الدولة اللبنانية، التي تتفرج على الأزمات باكية على الأطلال، بدل المبادرة الى اتخاذ القرارات الجريئة التي توقف معاناة المواطنين.
في السياق عينه، يؤكد رئيس تجمع شركات مستوردي النفط في لبنان جورج فياض، الى أن استيراد الفيول يسير بشكل متواز مع الاعتمادات التي يحررها مصرف لبنان للبواخر، لافتاً الى أنه تم التنبيه منذ زمن بعيد الى أن الأزمة ستتفاقم، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
يلفت، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن شركات التوزيع تحاول جاهدة تنظيم الكميات الموجودة بين يديها، حتى تتمكن من تأمين كميات متوازية يومياً لتسيير أمور المواطنين، علماً أن لبنان يستهلك يومياً حوالي 10 ملايين ليتر، إلا أن هذا الجو من الشح الدائم في البضاعة يفاقم الأزمة.
ويؤكد ان الشركات ستزود اليوم محطات البنزين بالكميات والنسب الأسبوعية المعتادة، موضحاً أن بعض الشركات تعاني أصلاً من نقص في المخزون، الذي بات ضئيلاً جداً ومحكوماً بفترة قصيرة من الزمن، لا تتعدى العشرين يوماً.
ويوضح فياض أن بواخر الفيول تنتظر اعتمادات مصرف لبنان، مع الإشارة الى أن الباخرة الواحدة تسد حاجة السوق لعشرين يوماً فقط، وكل شيء يسير ببطيء ولا يتناسب مع الاستهلاك الذي نراه اليوم.
ويشدد على أن الشركات المستوردة لم تتبلغ أي قرار برفع الدعم عن المحروقات، لأن “لا أحد يخبرنا بما يجري، أو يقرر ما سيحصل”، فمصرف لبنان الذي ابلغ الجهات الرسمية بأنه لن يمس باحتياطي الناس، ينتظر القرار، وهو مربك ويربكنا معه، بينما الدولة تتفرج عاجزة عن اتخاذ أي قرار، مبدياً أسفه لأن المواطنين يعيشون ما يعيشوه على المحطات، مذكراً بضرورة المحافظة على أخلاقيات التعاطي، إذ إن صاحب المحطة هو الذي يقرر لمن يعبئ وكيف.
لكنه يوضح في المقابل، أن المحطات تحاول تزويد الناس بكميات قليلة حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من التزوّد بالمادة، رافضاً مقولة إن “المحطات تفتعل الازمة في نهاية الأسبوع بانتظار جدول تركيب الأسعار”، لأن الجدول يتأرجح انخفاضاً كما ارتفاعاً في الأسعار، وقطاع النفط بغنى عن مشكل إضافي، إذ يكفيه ما يتعرض له في آلية العمل ومن شتائم من الناس.
ويلفت الى أن هذه البلبلة ستفاقم الأزمة، والجميع يحتاج الى معرفة ما إذا كان سيستمر الدعم أم لا، لأن كلفة باخرة واحدة تصل الى 20 مليون دولار، فكيف للشركة أن تفرغ الحمولة، إذا لم تكن على معرفة بآلية الدفع؟، مضيفاً، “هذه قصة مبالغ مالية من شأن الضبابية فيها إفلاس شركات”.
ويتأسف لأننا نعيش في غموض رهيب، ويرى أنه في حال توقف الدعم، قد تلامس صفيحة البنزين الـ160 ألف ليرة وربما أكثر، لأن كل شيء مربوط بسعر النفط العالمي ودولار السوق السوداء. وإذ يسأل فياض، “من أين ستؤمن الشركات المستوردة يومياً ملايين من الـFresh Dollar حتى تحوله الى الخارج، يستبعد أن تتمكن منصة مصرف لبنان من تغيير الأمور. يضيف، “يتركوننا في كل مرة حتى نصل الى النهاية، ويطلقوننا في الهواء”، موضحاً أن المحروقات اليوم مدعومة بنسبة 90 في المئة، فاذا توقف الدعم، ستضرب الأسعار بـ4 و5 مرات إضافية.