عندما كلف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، أجمع كثيرون على ان التحدي يكمن في التأليف، خاصة وان الازمات التي يتخبط بها لبنان منذ اكثر من سنتين والتي تنذر بالاخطر، كان من المفترض أن تلزم القوى كافة تسهيل مهمة الرئيس المكلف وعدم وضع العصي في دواليب التشكيل تمهيدا لوقف النزيف الحاصل على المستوى الاقتصادي والمالي ، بيد ان البعض اعتبر ولا يزال ان الحريري يريد تكريس اعراف جديدة تتجاوز الموازين في البرلمان، الا ان الواقع الراهن اثبت ان الحريري حصل ولا يزال على تأييد ودعم من ثنائي حزب الله وحركة امل، وان كان حزب الله يحاول التوازن في علاقته بين بيت الوسط وميرنا الشالوحي لكي لا يحرج رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ولكنه اسوة بالرئيس نبيه بري والنائبين السابقين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية يرفضون فكرة اعتذار الحريري.
حمل الحريري منذ تكليفه راية تطبيق المبادرة الفرنسية وبدأ جولاته الخارجية متسلحا بهدف تأمين المساعدة للبنان بعد تأليف الحكومة، فاستند الى دعم الرئيس إيمانويل ماكرون،وأمل أن تنجح مساعي الأخير لدى السعودية لإعادة فتح كوة بينها وبينه. تمسك الحريري عند كل محطة او اطلالة بضرورة تأليف حكومة اختصاصيين تكون مهمتها وقف الانهيار وتطبيق المبادرة الفرنسية لجهة محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين ووقف التهريب وإجراء الإصلاحات في القطاعات الحيوية كافة، فضلا عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
الحكومة لم تتشكل، والعراقيل أمامها من كل حدب وصوب، فالدعم الروسي والمصري والفرنسي والاماراتي والأميركي للحريري لم يصب في الهدف المنشود، واعتذار الرئيس المكلف من عدمه في الأيام المقبلة يبقى رهن الاتصالات ومشاورات الربع الساعة الاخير قبل عطلة عيد الفطر وفق مصادر بيت الوسط، فالحريري قدّم كل ما عنده من تسهيلات وتنازلات، لكن الشيطان كمن في الشروط التي حاول أن يفرضها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي كانت مدعاة رفض من القوى السياسية كافة وابرزها الحليفة له لاقتناع هذه القوى كافة ان هذه الشروط مردها بدء باسيل معركته الرئاسية باكرا.
يظن كثيرون أن اعتذار الحريري، في حال حصل، مرده التسويات الإقليمية والعربية والتي من شأنها ان تدفع نحو حل الأزمة اللبنانية على حسابه، خاصة وأن البعض يؤكد ان فرنسا لم تسقط مبادرتها انما قد تتخلى عن لبنان لجملة اعتبارات أبرزها ملف النفط الذي قد تكون خارج دائرة المستفيدين منه. وأمام كل ذلك، لم تتوقف القراءات حيال مرحلة ما بعد اعتذار الحريري، لجهة مَنْ سيكلف من بعده؟ وهل سينجح في التأليف؟ أم أن حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب سيجري تعويمها محليا وتبقى الى حين؟.
الأسئلة كلها مشروعة لا سيما وأن مصادر اممية رجحت بقاء حكومة دياب الى حين انتهاء ولاية الرئيس عون، وبالتالي هذا يعني انه حتى لو اعتذر الحريري، من الصعب جدا الذهاب الى تكليف شخصية أخرى وإجراء الاستشارات النيابية الملزمة قبل التفاهم على الإسم الذي يجب ان يحظى بدعم وقبول خارجي ومحلي، ومن هذا المنطلق، يبدو اكيدا ان شخصيات كثيرة على اكثر المحاور لن تذهب برجليها الى تجرع الكأس الحكومية المرة لأسباب عدة تتصل باقتناعها ان المعرقلين الذين سوف يهللون لاعتذار الحريري لن يسهلوا مهمتها في التأليف، فشروطهم ستبقى على حالها ولن تتبدل، عطفا على أن هذه الشخصيات بغالبيتها ترفض ان تتحمل وزر سياسات القوى الأساسية التي اتفقت في السنوات الماضية على تقاسم المكاسب والحصص ووزعت المغانم بين بعضها البعض، وبالتالي لن تقبل ان تقع ضحية قوى محلية وخارجية سوف تضعها في مواجهة مع الشارع في المناطق كافة.
أمام كل ذلك فإن الأبواب سوف تبقى مشرعة أمام احتمالات كثيرة، علما أن الدوافع التي استوجبت تكليف الحريري لم تنتف بعد، وبالتالي فإن القلق يكمن في أن يبقى لبنان بلا حكومة الى أجل وأن يسلك البلد طريق العنف الاجتماعي الذي قد يكون بديلا عن الحرب مباشرة، اذا لم يستفق المعنيون من كبوتهم ومن عنجهيتهم.