الى اين يمكن ان تتجه البلاد في اعقاب تهاوي المبادرة الفرنسية؟ الاكيد ان الازمة الاقتصادية – المعيشية ستشتد وسيشعر المواطنون بقوة، بوطأة الاجراءات المؤلمة الآتية اليهم بفعل رفع الدعم عن السلع والمواد الاولية الاساسية في يومياتهم، من المحروقات الى المأكولات، مرورا بالدواء والطحين، وقد بات هذا التوجّه في حكم الامر الواقع مع ملامسة احتياطيات مصرف لبنان الخطوط الحمر.
حاكم المصرف المركزي رياض سلامة كان حذّر ونبّه منذ اسابيع اهل السلطة، ووضعهم في صورة الارقام الخطيرة التي في حوزته والتي تحتّم عليه وقف الدعم، وطالبهم مرارا وتكرار بالتصرف، إما عبر تأليف حكومة جديدة، أو عبر وضع خطة لترشيد الدعم ولتأمين بطاقة تمويلية، لتخفيف تداعيات هذه الخطوة على اللبنانيين، الا ان نداءاته تبدو حتى الساعة، كصرخة في واد.
هذا على الصعيد المالي. أما سياسيا، فتوضح مصادر سياسية مطّلعة ان لبنان امام اكثر من سيناريو. الاول، ان يرد الرئيس المكلف سعد الحريري التكليف ويعتذر، فندخل في المجهول: استشارات جديدة، قد لا تحسم سريعا الخلف او انها قد تكلّف رئيسا يكون ربما شبيها بحسان دياب.
الثاني، ان يذهب الرئيس الحريري نحو خيار ابرام تسوية مع العهد، اي ان يكرر تجربة التسوية الرئاسية. فيرتضي الجلوس مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والاتفاق معه على تركيبة حكومية تكون مرضية للطرفين، وتنال بطبيعة الحال، مباركة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فتبصر النور وتبدأ في العمل، لكن الرهان على حكومة مساكنة كهذه، شبيهة بكل سابقاتها، وآخرها التي رأسها واسقطتها الثورة، ليس كبيرا، حيث من الصعب جدا ان تتمكن من تحقيق اصلاح او انقاذ حقيقيين.
واذ تشير الى ان هذين الخيارين مستبعدان حتى الساعة، تقول المصادر ان الخيار الثالث هو بقاء الوضع على ما هو عليه سياسيا: شغور، العهد على شروطه والحريري على شروطه، متمسكا بالتكليف من دون ان يتمكن من التأليف حتى اشعار آخر، وربما حتى نهاية العهد. في الاثناء، ستتكفّل حكومة تصريف الاعمال، عنوة، ورغما عن ارادة رئيسها، بادارة الانهيار بالتي هي احسن، كون الدستور يحتّم عليها التدخل ويُجبرها على التصرّف، في الوضع المأساوي الذي ستتخبط فيه البلاد. سيسود الترقيع وستكون معالم السقوط المدوي للدولة ومؤسساتها واداراتها، فاقعة ونافرة، من حيث الغلاء الفاحش وتحليق الدولار وفقدان سلع اساسية و”ماركات” كبيرة من الاسواق، مع تغذية بالتيار الكهربائي شبه معدومة، ومحروقات بأسعار حارقة، بالكاد يتمكّن المواطن من ايجادها في المحطات، هذا اضافة الى الاستشفاء والطبابة التي ستصبح كلفتهما “مخيفة”، مع دواء وخبز سيتحوّل تأمينُهما هاجسا لناحية اسعارهما وايجادهما على الرفوف ايضا.
واذ تلفت الى ان الخيار الامرّ والاصعب هذا، هو مع الاسف الاكثر ترجيحا، تعتبر المصادر ان ثمة احتمالا وإن ضئيلا في ان تتمكن الضغوط الدولية، الاوروبية والاميركية والروسية ، والتحوّلات الاقليمية المنتظرة على صعيد المفاوضات النووية في فيينا والمحادثات السعودية الايرانية والسعودية السورية، من كسر الجمود في بيروت، فتفرض حكومة تتماشى مع “الواقع” الجديد الذي ستفرزه كل هذه المستجدات، لكن اتضاح معالمه ستحتاج وقتا ولن يحصل في المدى المنظور، تختم المصادر.