لم تأت الخطوات السعودية نحو سوريا صدفة ولا من فراغ. سبق ومهّدت الرياض للإنفتاح على دمشق بطي صفحة الحرب على الدولة السورية، بعدما تيقّن العرب أن اللعبة إنتهت بثبات قيادة الرئيس السوري بشار الأسد في وجه كل العواصف الغربية والعربية والإقليمية والإرهابية منذ عام 2011.
لذا، أقفلت الرياض مكاتب المعارضين السوريين واوقفت التعامل معهم بعد تجميد كل وسائل دعمهم. كان يرغب السعوديون بفتح سفارتهم في الشام بالتزامن مع خطوة الإمارات العربية المتحدة، لكن الضغوط الأميركية في عهد الإدارة السابقة ساهمت في فرملة الإندفاعة الإيجابية نحو سوريا. لكن الظروف تغيّرت:
أولاً، أثبت الأسد قوّته الشعبية والسياسية التي ستظهرها الإنتخابات مجدداً خلال الشهر الجاري.
ثانياً، إستيقظ العرب على خسارة مشروعهم أمام قوّتين اقليميتين إيرانية وتركية. فماذا جنوا في سوريا؟.
ثالثاً، أكّد الأميركيون عزمهم على الخروج من الإقليم، بعد توقيع اتفاق تاريخي مرتقب مع طهران.
رابعاً، ظهرت روسيا قوّة أساسية في الإقليم تحتاج إليها الدول العربية أيضاً، بعدما وضعت موسكو الخطوط الحُمر لمنع كسر الدولة السورية، وكرّست حضورها السياسي في المنطقة.
خامساً، أثبتت السنوات الماضية أن إنكسار العرب بدأ يوم إستهداف سوريا.
لذا، فإن هناك مصلحة عربية بإعادة مصالحة الأسد وإحتضانه في قمة الجزائر العربية إن عُقدت. ويتردّد في الكواليس العربية أن هناك سعياً خليجياً لعقد تلك القمة من أجل الإعلان عن عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، وإظهار حُسن النوايا تجاه دمشق عملياً.
كل ذلك يعني أن سوريا تعود الى مكانها الطبيعي في الإقليم، وهي ستلعب دور الجسر بين الدول العربية وإيران بشكل مستدام. فماذا عن لبنان؟.
لم تتخلّ دمشق عن إهتماماتها بالساحة اللبنانية، وبقيت تحظى بتأييد شعبي واسع عابر للطوائف والمناطق. واذا كان خصومها وجهوا سهاماً ضد سوريا بفعل علاقاتهم وتحالفاتهم مع دول عربية وغربية، فماذا سيفعلون بعد رصد توجه الخليج نحو مصالحة الاسد؟
بالطبع ستنعكس المتغيرات حول سوريا في لبنان، بدليل تغييب التيار “الوطني الحر” ذكرى انسحاب الجيش السوري هذا العام، ومرّ يوم ٢٦ نيسان من دون خبر ولا احتفال ولا موقف، بينما كانت تُرفع لوحة في العام الماضي. لا بل ان رئيس التيار “الوطني الحر” النائب جبران باسيل غازل السوريين من موسكو.
يعرف اللبنانيون ان سوريا عادت تلعب ادواراً إقليمية، وأنّ سفيرها في بيروت علي عبدالكريم علي أبقى خطوط التواصل الدبلوماسي والسياسي قائماً مع مختلف الافرقاء في لبنان، بإستثناء الذين تموضعوا في موقع العداء لسوريا.
لذا، ستكون السفارة هي المدخل الطبيعي نحو دمشق، وهي ستشهد مبايعة السوريين المقيمين في لبنان للأسد بإنتخابات تشكّل مفصلاً سياسياً في الإقليم. سيتسابق اللبنانيون نحو السفارة في اليرزة ثم الشام في طريق لا يُعرف لمن يكون معبّداً هذه المرة.
فهل تسامح دمشق كل المخطئين؟ أم تكرّس التعاون مع حلفائها كأولوية، خصوصاً الذين صمدوا وثبتوا ولم يقبلوا بتوجيه السهام ضدها؟. وهل هناك من يعد نفسه بأنه سيركب في قطار الخليج المتجه نحو دمشق؟ أم أن قلب سوريا سيتسع للجميع بعد طي صفحات الأزمة؟
كلها أسئلة ستحلّ اجوبتها بعد الانتخابات الرئاسية السورية.