ما نشرته صحيفة “رأي اليوم” اللندنية حول زيارة الوفد السعودي إلى سوريا ولقائه بكبار المسؤولين السوريين للحديث عن إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، أثار العديد من إشارات الاستفهام حول خلفيات هذه الزيارة ومدى صحتها في ظل غياب أي تصريح رسمي من الجانبين السوري والسعودي، لا سيما أنها تزامنت مع العديد من المستجدات التي تطرأ على المنطقة والتي تشير أنها مقبلة على مرحلة جديدة وبملامح مختلفة.
وفي حال كان حدوث هذا الاجتماع حقيقياً، فيكون بمثابة تحول سعودي لافت إزاء سوريا لكنه غير مفاجئ وذلك كونه جاء بعد عدة أحداث سابقة أشارت إلى رغبة السعودية باستئناف علاقاتها مع سوريا، كالإعلان عن وجود أعمال صيانة في السفارة السعودية بدمشق، هذه الأنباء سبقها الإعلان عن تصريحات لوزارة الخارجية السعودية تفيد بأن الرياض تنوي إعادة فتح سفارتها في دمشق في حين نفت الخارجية السعودية فيما بعد هذه الأنباء، لتقدم السعودية اليوم على خطوة ترقى إلى مستوى الإعلان عن سياسة جديدة في المنطقة، حيث أعربت عن رغبتها بالتعاون مع إيران وبإعادة فتح سفارتها في دمشق وترحيبها بعودة سوريا إلى الجامعة العربية.
هذه التغيرات في السياسة السعودية تشير إلى أمور عدة فهي بالحد الأدنى أثبتت فشل السياسات التي كانت تنتهجها الرياض، وأثبتت أيضاً أن السعودية باتت ترغب بالتخلص من الضغوطات المحيطة بها والتي يبدو أنها استنزفتها إلى حد ما كحرب اليمن وسياسة العداء مع إيران، فلجأت إلى استغلال الظروف المستجدة على المنطقة وطرح سياسات جديدة تتناسب مع المشهد الإقليمي والدولي الجديد، الذي أفقد الموقف الأمريكي في السعودية قوته، حيث قال في هذا الصدد الباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور أسامة دنورة في حديث له: “بغض النظر إذا كان هناك ضوء أخضر أمريكي لهذه الخطوة السعودية أو لم يكن ولكن من الواضح أن هناك توجهات أمريكية جديدة، تشير إلى أن السياسات القديمة انتهت صلاحيتها وبالتالي أصبح يجب أن يُبنى على أشياء مستجدة وأن يكون هناك سياسات جديدة سعودية تجاه المنطقة مبنية على أساس التخلص من البؤر المرهقة والمستنزفة للسعودية في عدد من المناطق واستعادة منظومة أمن إقليمي ستخدم السعودية كما ستخدم غيرها”.
الوضع الإقليمي المستجد الذي يتم الحديث عنه يبدو أن تأثيره في سوريا سيكون لافت جداً، الأمر الذي يُلاحظ بوضوح عند مراقبة التحركات السياسية من قبل بعض الدول العربية إزاء سوريا، والأمر الذي بالضرورة سيؤثر على العديد من النواحي ومنها الاقتصادية، وبهذا الصدد يشير محللون إلى أن بعد فشل سياسة عزل سوريا عن محيطها وأمام جميع التنازلات التي تقدمها الدول العربية لا سيما السعودية، لا بد أن تشمل هذه التحولات أيضاً القطاع الاقتصادي، خصوصاً مع بلد مثل السعودية كانت تجمعها مع سوريا خمس اتفاقيات ومذكرات تفاهم ووثائق في مجالات الجمارك والتجارة والاقتصاد تم توقيعها في ختام أعمال اللجنة السورية السعودية المشتركة وملتقى رجال الاعمال السورى-السعودى الأول عام 2010، وبعد الحرب على سوريا وبالرغم من القطيعة السعودية لسوريا، كشف موقع “العربي الجديد” عام 2016 عن أرقام ووقائع تؤكد استئناف السعودية لبعض علاقاتها التجارية مع سوريا، مشيراً إلى أنه تجاوز التبادل التجاري بين الدولة السورية والسعودية 140.37 مليار ليرة، ونقل أيضاً موقع “الاقتصادي” عن “الهيئة العامة للإحصاء السعودية”، أن قيمة صادرات سوريا للسعودية ارتفعت خلال فترة الأشهر السبعة الأولى من عام 2000 بمقدار 76 مليون ريال، مسجلةً 412.5 مليون ريال، فيما كانت 336.5 مليون ريال في الفترة المماثلة من العام الماضي، لتنخفض بالمقابل واردات سورية من المملكة بمقدار 1.9 مليون ريال خلال أول 7 أشهر من عام 2016، مسجلةً 1.1 مليون ريال، مقابل 3 ملايين ريال.
وأمام هذه الوقائع والأرقام يشير محللون إلى أنه بالرغم من النشاط التجاري السابق بين سوريا والسعودية، يبقى من غير المعلوم ما إذا كان باستطاعة السعودية تجاوز قانون “قيصر” المفروض على سوريا، مرجحين أن يكون تأثير الانفتاح السعودي ظاهراً بشكل أكبر على الناحية السياسية، إلى أن يتم إيجاد آلية للالتفاف على العقوبات الأمريكية الأمر الذي يجعلنا أمام واقع اقتصادي جديد في سوريا، حيث قال دنورة في هذا الصدد: “سيكون هناك مشهد جديد في الإقليم فيما يتعلق بالتشبيك الاقتصادي إذا كان هناك واقع اقتصادي جديد يفرض على الأمريكيان أن يسيروا في اتجاه تجميد قانون قيصر”.