كتب د. فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
نشهد يوماً بعد يوم، سلعة جديدة يتداولها السياسيون، لا بل يُتاجرون بها، وهي قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية للبنانيين. إذ يتساءل ويتخوّف اللبنانيون أنفسهم، هل سيتوقف الدعم أم سيُستكمل؟ مرة أخرى، يقع الشعب اللبناني تحت رحمة السياسيين، لا سيما أرباب العائلات والأمهات، فضلاً عن أرباب العمل والموظفين.
علينا أن نعرف جميعاً، كيف يسير موضوع الدعم تقنياً. إنّ هذا القرار يُبحث ويُتفق عليه في مجلس الوزراء بعد توصيات وزير المال، بحسب موجودات المصرف المركزي من السيولة الأجنبية. علماً أنّه بعد الأزمة الكارثية، الإقتصادية والمالية، والنقدية، والتي هزّت لبنان، منذ نحو 20 شهراً، أصبح واقعاً أنّ موجودات «المركزي» من العملات الأجنبية، تراجعت بشكل مخيف، وباتت أرقامها متدنية جداً.
وفي حال تمّ إستكمال الدعم، فإنّه سيكون على حساب الإحتياطي المتبقّي في مصرف لبنان المركزي. ونُذكّر، بأنّ هذه الأموال ملك المودعين وكل اللبنانيين. ويُخيَّر اللبنانيون بين أن يتوقف الدعم وترتفع الأسعار الاساسية بشكل باهظ، وبين متابعة عملية الدعم من خلال ما تبقّى من أموالهم، التي لا تزال متوافرة في الإحتياطي المشار إليه.
من جهة أخرى، إنّ مصرف لبنان المركزي يطبع عملات لبنانية فقط، ولا يطبع لسوء الحظ، سيولة أجنبية. والدعم المشار إليه، لا يُمكن إلاّ أن يكون بالعملات الأجنبية، التي تتناقص يوماً بعد يوم. والحل الوحيد لإستقطابها من جديد، لن يكون إلاّ من خلال الإستثمارات، أو تحويلات الخارج أو عبر المساعدات الدولية. علماً أنّ كل هذه الموارد مجمّدة. لذا لا يستطيع البنك المركزي متابعة الدعم إلّا من خلال الإحتياطي من العملات الأجنبية أو ما تبقّى منها. وحتى هذا الإحتياطي له نهاية، وسيأتي يوم، لن يكون متوافراً بتاتاً، وتالياً سيتوقف الدعم تلقائياً.
تُفيدنا السلطة، ببدعة جديدة، أنّه في حال بقي الدعم قائماً، فإنّه سيكون عبر «بطاقة إجتماعية» تُوزع على المحتاجين. ونسأل أنفسنا، هل هذه البطاقات الإجتماعية ستُوزّع بالطريقة عينها التي وُزّعت فيها الحصص الغذائية الوهمية؟
إننا نتخوّف من أن يكون هذا الإختراع الجديد بين أيدي السياسيين، أهدافاً تُستعمل لإجبار الشعب اللبناني، كي يقرع أبوابهم من جديد، وأن تكون هذه البطاقة وسيلة إنتخابية وحزبية جديدة.
عندما كنّا نحلم، ونعمل للهروب من هذه التبعية السياسية المُغرضة، لم نكن نعلم أنّهم سيُعيدوننا إليها، من خلال البطاقات الإجتماعية وعبر عملية تقاسم ومحاصصة جديدة، ليكون المواطن اللبناني مجدداً ألعوبة في أيدي هؤلاء السياسيين، وهم المسؤولون المباشرون والمعنيون بالأزمة الإقتصادية والإجتماعية الراهنة، نتيجة إدارتهم الفاسدة. مرة أُخرى، يتأكّد أنّ الشعب رهينة هذه الطبقة الحاكمة، وإختراع هذه البطاقة الإجتماعية، سيكون لإبقائهم تحت رحمة السياسيين.
إننا نُدرك تماماً، أنّ قسماً كبيراً من المواد المدعومة تُهرّب وتُسرّب خارج الأراضي اللبنانية، لكن وقف التهريب، ينبغي أن يكون من خلال ضبط الحدود والتحقيقات الشفافة، والملاحقات الأمنية المجدية، والمحاسبة والرقابة الفعّالة، وليس ببطاقة إجتماعية سيحصل عليها بعض المهرّبين أنفسهم ومن ثم يتابعون أعمالهم المشبوهة.
في النهاية، علينا أن نكون واقعيين، ونعترف بأنّ الدعم سيتوقف يوماً. علماً أنّ موجودات مصرف لبنان المركزي من العملات الأجنبية تنهار يوماً بعد يوم، وهي تُستعمل، بحسب ما قاله أخيراً وزير المال، وفق الحاجات الضرورية، مثل إقراض «كهرباء لبنان». وكلما وصلنا إلى حائط مسدود، يُخيّر اللبنانيون بين وقف الدعم، أو إستعمال الإحتياطي المتبقّي الذي هو ملكهم، أو الظلمة.
علماً أنّ إستبدال الدعم بالبطاقات الإجتماعية، نقولها مرة أخرى، وسيلة جديدة للسياسيين، من أجل أن يبقى المواطن مستعبداً لهم، ويقف بالطوابير أمام أبوابهم، كما كان في الماضي يستجديهم كي يؤمِّن عملاً في القطاع العام، أو من أجل الحصول على دواء، أو إستشفاء، وغيرها من المطالب الإجتماعية. مرة أخرى، يُتاجر السياسيون بما تبقّى من أموال اللبنانيين، وينصبون لهم أفخاخاً جديدة.