توقفت أوساط متابعة أمام التقاطع في المواقف الأسبوعية ما بين عظات غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس سيادة المطران الياس عوده، بحيث أن كل عظة لهما تتقاطع على نفس الإتجاه السياسي والعناوين السياسية، والمشترك ما بينهما هو استهداف المسؤولين في السلطة الحاكمة، لجهة تقصيرهم الفادح في تأليف الحكومة وممارساتهم الخارجة عن السياق المطلوب.
وشدّدت الأوساط، على أن التقاء البطريركية المارونية بما تمثّل على مستوى الكنيسة وامتداداتها الخارجية، والمطران عودة بما يمثّل، ليس فقط بيروتياً، وإنما على المستوى الوجداني الماروني والأرثوذكسي، إذا ما دلّ على شيء، فهو يؤكد أن الرئاسة الأولى في أزمة كبرى على المستوى المسيحي، بحيث أن المرجعيات الدينية تلتقي على تشخيص مشترك للواقع المزري في لبنان، وتحميلها ضمناً الجزء الأكبر من المسؤولية إلى جانب مسؤولين آخرين بطبيعة الحال، الأمر الذي يوضح أنها ليست فقط في أزمة مع الجهات الدولية والمجتمعين الدولي والعربية والقوى السياسية اللبنانية، وإنما مع المرجعيات الروحية أيضاً. وقد جاء تصريح غبطة بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي الأخير، لكي يحدث نوعاً من اكتمال للصورة مع انضمامه إلى هذا التوصيف المشترك للمرجعيات الدينية.
ولفتت الأوساط إلى أن الرئاسة الأولى في جهة، والمرجعيات الدينية في جهة أخرى مقابلة تماماً، فهي تلتقي مع القوى السياسية السيادية وتجسّد ما يريده الشعب الذي أصبح بعيداً كل البعد عن “قصر الشعب”.
وأوضحت الأوساط، أن هناك من يحاول تفسير موقف بكركي على غير حقيقته، لجهة أن البطريرك يطالب بتشكيل الحكومة، وفي الوقت عينه، يطالب بالحياد وبعقد مؤتمر دولي، فالواقع هو أن غبطته يميّز ما بين أمرين: الأول أن المؤتمر الدولي هو حلّ استراتيجي، يهدف إلى الوصول إلى حل نهائي للأزمة اللبنانية، وهو يتمسّك بهذا الطرح، ولا يتردّد بترداد موقفه هذا بشكل أسبوعي ومتواصل، والثاني، هو أن البلاد لا تحتمل، في هذه المرحلة تحديداً، البقاء في الفراغ بانتظار الحلّ الجذري، لذا هو يسعى لتشكيل حكومة تفرمل الإنهيار، منعاً للفوضى ودرءً للحرب وسقوط الهيكل.
وشدّدت الأوساط، على أن البطريرك الراعي، يعتبر أن التأليف أمرٌ ضروري جداً، واليوم قبل الغد، إلا أن هذا الأمر لا يُلغي الآخر أبداً. فهو يصرّح علانية أنه يعتبر أن الهدف النهائي لمسعاه من أجل التأليف هو الوصول إلى مؤتمر دولي من أجل حلّ الأزمة اللبنانية، وبالتالي، رؤية البطريرك اليوم للحلّ، تنقسم إلى مرحلتين: الأولى آنيّة وهي الحكومة، والثانية، أن يليها المؤتمر الدولي لبحث أسس الأزمة اللبنانية، بغية الوصول إلى المرحلة النهائية، التي تتجسّد بتسوية تاريخية تعيد لبنان إلى جذوره وازدهاره من خلال إعادة الإعتبار لمفهوم الحياد الذي قام عليه.
وأوضحت الأوساط، أن ما يطرحه البطريرك، يشكّل عملية تكاملية بين ما هو قريب المدى ومرحلي، وما هو بعيد المدى ونهائي، وهو لم يتراجع أبداً عن أي من المرحلتين في خطّته، لأنه يعتبر أن هناك صعوبة في مكان ما للوصول إلى الحلّ النهائي من دون المرور بالحلّ المرحلي، خشيةً منه على لبنان واللبنانيين، وحفاظاً منه على ما تبقى من أحجار الهيكل اللبناني.
في محصّلة الواقع السياسي في لبنان اليوم، بحسب الأوساط، تنحصر كل الإهتمامات ما بين مفاوضات الترسيم والموفد الأميركي إلى لبنان السفير جون ديروشر، الذي يحصر اهتمامه في هذا السياق، وما بين الموفد الفرنسي إلى لبنان وزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي يركّز كل جهده من أجل الدفع باتجاه تأليف حكومة.
وختمت الأوساط معتبرةً، أن هدف زيارة لودريان الأول، هو إثبات أن المبادرة الفرنسية ، لا تزال حيّة وقائمة ومحاولة إخراج تأليف الحكومة من عنق الزجاجة، من أجل قطع الطريق أمام موسكو التي تحاول التمدّد من سوريا باتجاه لبنان، الأمر الذي من الممكن أن يستجرّ معه مبادرة روسية للتأليف، تطيح بالمبادرة الفرنسية، وهذا ما يفسّر الزيارة المفاجئة للمبعوث الفرنسي التي لم تكن في الحسبان.