يبدو لبنان بعد العطلة الطويلة امام أسبوع مفصلي بدءا من غد وهو موعد استنئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ومن ثم ترقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت التي تبدأ مساء الأربعاء ليومين . لا يقف الامر عند ترقب نتائج ومؤشرات كل من هاتين المحطتين البارزتين على رغم الطابع المختلف والمنفصل لكل منهما عن الآخر ولكن الامر يتصل عموما بنقطة تتعلق بدلالات عودة وضع لبنان على شاشة الاهتمامات الخارجية والدولية وما اذا كان يمكن ان يؤثر ذلك إيجابا على إخراجه من الإنفاق المتصلة لأزماته المتراكمة التي تنذر بوقع كارثي في وقت لم يعد بعيدا ابدا .
والاهم من ترقب المحطات والاستحقاقات التي ستحصل تباعا هو السؤال الكبير الذي يثار في كل الكواليس حول ترقب مجريات المسار الجديد الإقليمي حول محادثات فيينا للملف النووي الإيراني وما يساق حول تسوية أميركية وغربية مع ايران من جهة ومعالم تبدل النبرة بين ايران والمملكة العربية السعودية كما برزت عقب الحديث الأخير لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وترحيب ايران به من جهة أخرى .
ومع ان كلا من واشنطن ولندن نفتا امس التقارير الإيرانية حول تبادل اطلاق سجناء فهذه التطورات تؤشر الى معالم حدث إقليمي دولي كبير بدأت ملامحه ترخي ذيولها على المنطقة وسيكون لبنان معنيا برصد مجريات الأمور والتحسب لتداعيات المناخ الجديد الذي يرجح ان تبدأ بلورته في وقت قريب . ولذا ستكتسب معالم المحاولة الفرنسية الجديدة لكسر الجمود السياسي وإزالة الانسداد من طريق تشكيل #الحكومة الجديدة عبر زيارة لودريان أهمية مضاعفة اذ لا يمكن عزل توقيت هذه الزيارة عن المعطيات التي تملكها فرنسا حول مواقف الدول المعنية والمؤثرة في الوضع اللبناني ولا سيما منها ايران والولايات المتحدة كما ان لفرنسا دورها في المفاوضات حول الملف النووي والنفوذ الإيراني في دول المنطقة . ولذلك لم تثبت صحة كل التسريبات المسبقة لزيارة لودريان حتى الان حول موضوع فرض العقوبات على شخصيات لبنانية بداعي تورطها في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة او التورط في الفساد اذ ليس ثابتا او واضحا بعد اذا كانت زيارة الوزير لودريان ستتناول الأبلاغ عن أسماء محددة او انه سيكتفي بالتإكيد ان الية العقوبات ستنطلق بعد الزيارة ما لم تتحرك الأمور نحو الحل مع ترجيح الاتجاه الثاني .
ويشار الى انه على صعيد رصد المواقف الداخلية من الازمة سيكون للامين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله خطاب يتطرق فيه الى الأوضاع الداخلية يوم الجمعة المقبل لمناسبة احياء “يوم القدس العالمي” .
في غضون ذلك وفيما لم تسفر الاتصالات البعيدة عن الأضواء التي تولاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بين #بعبدا وبيت الوسط عن نتائج إيجابية ملموسة اقله كما تبين حتى الان لوحظ ان الراعي عاود امس التركيز على ملف تشكيل الحكومة كما على موضوع المؤتمر الدولي . وتوجه الراعي الى المسؤولين قائلا : “الحكومة ليست لكم بل للشعب. الوزارات ليست لكم بل للشعب. الحكم ليس لكم بل للشعب. المؤسسات ليست لكم بل للشعب. كفى شروطا لا تخدم الوطن والمواطنين، بل مصالح السياسيين. هذه هي الأسباب التي حملتنا على المطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، وبإعلان حياد لبنان. تؤكد الممارسة السياسية أن لبنان، مهما طال الوقت، لا يقوم من حالته من دون مؤتمر دولي يعلن حياده. خارج هذا المسار سيبقى لبنان يخرج من أزمة إلى أخرى، ومن حرب إلى أخرى، ومن فشل إلى آخر، ويعطي انطباعا بأننا شعب لا يعرف أن يحكم نفسه بنفسه. وأصلا هذا هو هدف الذين يمن#عون تأليف الحكومة وإعادة بناء الدولة”. ورأى أن “مسؤولية الأمم المتحدة والدول الصديقة الذهاب إلى عمق القضية اللبنانية، وإلى جوهر الحل. صحيح أننا بحاجة إلى حكومة، لكننا بحاجة إلى حل القضايا والصراعات التي تمنع من أن يكون لبنان دولة في حالة طبيعية”.
وتابع: “إن معظم هذه القضايا تستلزم مساعدة دولية لأن مصدرها ليس لبنانيا بل جاءتنا نتيجة صراعات عربية وإقليمية ودولية استغلت انقساماتنا العبثية. إن ميثاق الأمم المتحدة ونظامها الداخلي مليئان بالمواد التي تجيز عقد مؤتمر أممي لحل هذه القضايا. فلا بد من الإسراع في عقد هذا المؤتمر لأن التأخر بات يشكل خطرا على لبنان الذي بنيناه معا نموذج الدولة الحضارية في هذا الشرق، ويستحق الحياة”.
وبدوره اطلق ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة مواقف بارزة جديدة في عظته خلال ترؤسه القداس الاحتفالي بعيد الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة ومما قال :”في هذا اليوم الذي نصرخ فيه المسيح قام نصلي من أجل أن يقوم لبنان من تعثره ويسترجع دوره ورسالته. ولكي يقوم نحن بحاجة أولا وقبل كل شيء إلى حكومة فاعلة تقوم بالإصلاحات الضرورية، وتعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة وإداراتها، وتفعل أجهزة الرقابة، وتفرض هيبة الدولة والقانون وتكسب ثقة المجتمع الدولي. نحن بحاجة إلى حكومة لا تسيطر عليها الأحزاب المتناحرة، بل يكون أعضاؤها من أصحاب الإختصاص الناجحين في أعمالهم، المجلين كل في حقل اختصاصه، غير طامعين بمكاسب ونفوذ، بل مريدين خدمة وطنهم ووقف انهياره وإصلاح إدارته. نحن بحاجة إلى حكومة تنتزع ثقة الشعب بإنجازاتها وأولها مصارحة الشعب بالحقيقة، حقيقة انفجار المرفأ، والحقيقة حول وضع البلد المالي، وما مصير ودائع المواطنين وجنى أعمارهم، ومن تسبب في اندثارها، والحقيقة حول تهريب المحروقات والمواد الغذائية المدعومة بمال الشعب، ووضع المعابر والجمارك والإنفلات على الحدود. نحن بحاجة إلى حكومة تفرض القانون وتحاسب، تقتص من كل من يتطاول على هيبة الدولة وعلى المال العام، ومن يقوم بالاغتيالات، وكل من يشوه وجه لبنان بجعله مصدرا أو معبرا للممنوعات، وكل من يستغل مركزه أو نفوذه لتهريب ثروات اللبنانيين ومنتوجاتهم بطرق غير شرعية. نحن بحاجة إلى حكومة تكافح الفساد بالفعل لا بالشعارات، وتحفظ حقوق الناس، كل الناس، وكراماتهم، وتمنع أي تعد على المواطنين، كل المواطنين بلا تمييز، وبخاصة الإعلاميون، كل الإعلاميون، لأننا لا نميز بين خلائق الله المتساوية في الكرامة. نحن بحاجة إلى حكومة تنقلنا من الحضيض إلى حياة كريمة ينال فيها المواطن حقوقه بلا منة من أحد، ويقوم بواجباته بفرح وثقة بدولته العادلة المستقوية فقط بجيشها الساهر على أمنها، وبقضائها المستقل الذي يحكم بإسم الشعب، لا باسم فئة أو حزب أو طائفة. وللغيارى على مصالح الناس وأموالهم نقول إننا أكثر حرصا منكم عليها، ونحن لم نتوقف يوما عن المطالبة بإعادة الحق إلى أصحابه، وبكشف كل مجرم بحق المواطنين، وكل سالب لأموالهم أو متعد على حقوقهم. وللوصول إلى هذا الحق نحن بحاجة إلى قضاء متحرر من السياسة ومن كل ارتباط، ليحكم بالحق والعدل والنزاهة وعدم التمييز”.
ألمصدر : النهار