على وقع استمرار “الجمود القاتل” والفراغ المدمّر، ينطلق أسبوع جديد لبنانيًا، من دون “رهانات” كبيرة، ولو أنّ “رزنامته” تبدو معلَّقة على موعديْن “مفصليَّيْن”، قد يكون لهما الكثير من “المفاعيل” على أكثر من مستوى، ولا سيّما على خط “التسوية الحكوميّة” التي يبدو أنّها لا تزال “حبرًا على ورق”.
يتمثّل الموعد الأول بالعودة المرتقبة غدًا الثلاثاء للمفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود، برعاية أميركية، وبعد انقطاع دام لستّة أشهر، ومن دون أن تطرأ “تغييرات جوهرية”، فيما تتّجه الأنظار إلى الموعد الثاني الأربعاء، حين يصل إلى بيروت وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في أول تحرّك فرنسيّ من نوعه منذ أشهر أيضًا، بعدما مُنيت المبادرة الفرنسية بخيبات متلاحقة، أبعدت الفرنسيّين بشكل أو بآخر.
ولعلّ أهمية الحدثين المذكورَين تكمن في أنّهما يأتيان على وقع سلسلة أحداث متسارعة في المنطقة والعالم، وعلى رأسها ما يرتبط بالاتفاق النووي، حيث انتهت الجولة الثالثة من المحادثات في فيينا على تفاهمات يُقال إنّها جوهرية، علمًا أنّ الإيرانيّين “يسابقون الزمن” لإنجاز المهمّة قبل موعد الانتخابات المقرّرة في حزيران، ما يدفع البعض إلى التفاؤل بـ”تسوية” قد يكون لبنان مستفيدًا منها، ولو عبر “تحرير” حكومته بالحدّ الأدنى.
الترسيم مقدّمة للتسوية؟
انطلاقًا من هذا الربط بالتحديد، ينظر كثيرون إلى استئناف مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل المتوقَّع الثلاثاء، على أن تسبقه اليوم جولة للوفد الأميركي المشارك في المحادثات، على طريقة “تنسيق المواقف”، خصوصًا أنّ أيّ “تطوّر” لم يطرأ في الأيام الأخيرة، يدفع للاعتقاد بأنّ التعقيدات التي أدّت إلى “تجميد” المفاوضات قبل ستّة أشهر، انتهت، أو تمّت “حلحلتها” بشكل أو بآخر.
ومع أنّ هناك من يعتقد بأنّ الأمر نوقش خلال الزيارة الأخيرة لوكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، الذي يسعى لتحقيق “إنجاز” على خطّ استئناف المفاوضات، إلا أنّ كثيرين يرون أنّ الأمر لم يكن ليُتاح لولا أجواء “التسوية” في المنطقة، خصوصًا أنّ الإسرائيليّين، والأميركيّين من ورائهم، لا ينظرون بعين الرضا إلى الموقف اللبناني المتمسّك بتوسيع حدوده، انطلاقًا من الخط 29، وليس 23.
وفي حين يُتوقَّع أن يرفع كلّ طرف سقف شروطه التفاوضية، وهو ما يُعتبَر من “أسرار” وربما “فنون” المفاوضات، ثمّة من “يراهن” على أن تكون هذه المحادثات بمثابة “مقدّمة” لتسوية حكوميّة ينتظرها كثيرون، باعتبار أنّ المفاوضات تتطلّب وجود حكومة أصيلة وفاعلة تواكبها بكلّ التفاصيل، وتكون قادرة بالدرجة الأولى على تنفيذ أيّ اتفاقٍ يتمّ التوصل إليه بين أطراف المفاوضات، وبالتالي ترجمته على أرض الواقع.
“إنذار أخير”؟
بانتظار عودة مفاوضات الترسيم إذًا، يتراجع الاهتمام بالملفّ الحكوميّ، لأنّ لا جديد يُذكَر على خطه ببساطة، بعدما اصطدمت كلّ المبادرات والوساطات بالجمود والتصلّب، وآخرها “وساطة” البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي لم ينجح على ما يبدو في إقناع المعنيّين بعقد لقاء “كسر جليد”، فيما أخفقت موسكو بدورها في إحداث أيّ “خرق”، رغم محاولتها إيجاد “التوازن المفقود” بين مختلف الأطراف.
وسط ذلك، تتّجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت الأربعاء المقبل، والتي يحيط بها الغموض، خصوصًا أنّ الإعلان عنها جاء مباشرةً بعد حديث لودريان عن انتقال باريس إلى “خط” جديد في مقاربة الأزمة اللبنانيّة، عبر الحديث عن “عقوبات” على المسؤولين الذين يعطّلون تشكيل الحكومة، من دون أن يحدّد المقصودين بهذا “التصنيف”، ولا أن يفصح عن طبيعة هذه العقوبات.
وفي وقتٍ يرجّح البعض أن تكون زيارة لودريان إلى بيروت بمثابة “إنذار أخير” للمسؤولين اللبنانيّين، قبل دخول العقوبات حيّز التنفيذ، جازمين بأنّ الرجل سيكرّر من قلب لبنان لهجة “التأنيب” لطبقة سياسية لم تفكّر بمصلحة الشعب، ثمّة من توقف عند “التسريبات” حول حصر المسؤول الفرنسي لقاءاته في بيروت برئيسي الجمهورية ومجلس النواب، ليستنتج بأنّ الزيارة قد لا تتخطّى “رفع العتب”، وأنّ لا شيء يُرتجى منها سلفًا.
قد يكون من المفيد “الرهان” على أجواء التسوية في المنطقة للمضيّ إلى الأمام، على طريق تثبيت “التسوية الحكوميّة” المُنتظَرة. ثمّة من يقول إنّه إذا كان بالإمكان “تسوية” الخلافات بين واشنطن وطهران، لا ينبغي أن يكون الأمر عسيرًا على اللبنانيّين بين بعضهم بعضًا، مقولة تبدو مُقنِعة “نظريًا”، لكنّها تبقى “افتراضيّة” حتّى إثبات العكس!