كثيرة هي المؤشرات الايجابية التي برزت حول إمكانية الوصول الى حلّ سياسي قريب في لبنان، اذ ان المبادرات استعادت نشاطها في الساعات الاخيرة لتوحي بأن الأجواء الاقليمية باتت مؤاتية للمفاوضات حول تسوية تؤدي الى تشكيل الحكومة العتيدة المُرتقبة.فما هي احتمالات نجاح هذه المبادرات؟
كل هذه الأجواء الإيجابية لا تبدو كافية لتوقُّع ولادة سريعة للحكومة إذ ان كل الوقائع الملموسة تؤكد أن لا حكومة على المدى القريب، حيث ان العراقيل لا تزال مكانك راوح، وبالتالي فإن المبادرات الحاصلة لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية التي لم تنضج حتى الساعة كي تؤدي الى تشكيل حكومة إنقاذ من شأنها أن تُفرمل عجلة الانهيار السريعة!
وعلى الرغم من التسويات الكُبرى التي بدأت تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران من جهة والخليج العربي عموماً والجمهورية الاسلامية من جهة اخرى، الا ان هذا الأمر لم يصل الى حدّ نقاش الأزمة اللبنانية، إذ ثمة أولويات في الإقليم لا تسمح لهذه الدول بالتلهي بتفاصيل الواقع اللبناني، حتى أن إيران تعتبر بأنها الحلقة الأقوى في لبنان ما يجعلها لا تستعجل أي تسوية في حين أن خصومها يعتبرون ان المصلحة في انهياره تكمن في إضعاف “حزب الله”.
من جهة أخرى، فإن أي اتفاق ايراني – سعودي اقليمي أو ثنائي لن يؤدي الى حل الازمة اللبنانية بالسلاسة المتوقعة، لا سيما وأن الرئيس المكلف سعد الحريري يبدو متشبّثاً بعدم الاعتذار على عكس كل التسريبات، وكذلك فإن “حزب الله” لا يزال حريصاً على التمسك بالحريري، وفي المقابل لا تزال المملكة العربية السعودية غير ميّالة إلى تسلّم الحريري رئاسة حكومة لبنان، وبالتالي فهي لن تعطيه غطاء سياسيا وهو حتماً لن يشكل من دون مباركة سعودية.
من المعلوم أن العُقد الداخلية متداخلة مع العقد الخارجية، الأمر الذي تسبب بعرقلة تشكيل الحكومة في الأشهر الماضية وسيستمر بعرقلتها في المرحلة المقبلة. كما أن العقد الداخلية وصلت الى حد لم يعد بإمكان أي من القوى السياسية التنازل لصالح اخرى، اذ ان التنازل من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون سيعتبر انتصارا يسجّل للحريري، وأي تساهل من الاخير سيشكّل غلبة لعون وعليه فإن أحدا من الطرفين لن يُقدم على هذه الخطوة ولو على حساب المصلحة الوطنية العليا سواء في مسألة الوزيرين المسيحيين أو الثلث المعطل وغيرها من الملفات العالقة.
من هنا يمكن القول أن ذبذبات التفاؤل المنتشرة في الأجواء بمعظمها تحليل قائم مستند الى التطورات الاقليمية والحراك الديبلوماسي في لبنان. وعليه فإن الفرج يبدو بعيدا.. “ودق الميّ وهي ميّ”!
المصدر لبنان ٢٤ – ايناس كريمة