تتجه الأنظار بشكل كبير إلى الحراك الروسي على صعيد الملف اللبناني، في وقت قد لا تكون لهذا الحراك أصداء إيجابية لدى الدول الأخرى التي تعتبرُ نفسها معنية بالحل.
وبشكلٍ أو بآخر، فإن تحرك موسكو على خط “حزب الله”، الرئيس المكلف سعد الحريري والنائب جبران باسيل، جاء لاستطلاع وجهات النظر بشأن عقدة الملف الحكومي الذي لم يشهد خروقات جديدة. ووسط ذلك، يُعرِب نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في حديث عبر “لبنان24” عن تمنياته بأن تُثمر المبادرة الروسية خيراً، مشدداً على ضرورة “وقف التدمير الممنهج للمؤسسات”.
وإلى جانب تمنيات الفرزلي، فإن الأجواء السائدة على صعيد مختلف الأطراف السياسية لم تعطِ الحراك الروسي الأهمية البارزة، ما يدفع بعض الجهات إلى اعتبار تدخل موسكو عاديا لا يمكن الركون إليه. إلا أنه في الوقت نفسه، يعتبر العديد من المراقبين والمحللين إن ما تقوم به روسيا هو تأكيد على اندثار المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
وإزاء هذا المشهد، تقول مصادر سياسية لـ “لبنان24” إن “دور روسيا ايجابي، لكنه لا يقدّم حلولاً ولا يطرح بدائل، كما إن التعويل على روسيا لحل أزمة لبنان سيترك آثاراً سلبية لدى القوى الدولية الأخرى وفي طليعتها فرنسا، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي”.
وفعلياً، فإن آفاق التدخل الروسي، وفي حال نجح في كسر الجمود، قد يُبعد لبنان أكثر عن المبادرات الغربية اتجاهه، إذ أن “الحرب مشتعلة” بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، خصوصاً بعد العقوبات التي أقرتها موسكو على 8 مسؤولين أوروبيين.
وفي الواقع، فإن روسيا التي ثبتت نفسها في سوريا وتحالفت مع إيران هناك، تسعى بشكل أو بآخر إلى تأمين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ومن مصلحتها أن ينضوي لبنان تحت نفوذها الآخذ بالتصاعد. أما ما يمكن أن يثير حساسية الدول الأخرى هو إن روسيا ستتعامل مع “حزب الله” كمكون أساسي داخلي في لبنان وليس كمنظمة إرهابية، كما تصنفه الولايات المتحدة. ولهذا، فإن الخوف من تمدد روسيا إلى لبنان سيضع الأخير تحت إدارة موسكو، وهو الأمر الذي سيدفع الغرب لإعادة حساباته بشأن تقديم مساعدات دولية لبيروت.
ومن دون أدنى شك، فإن الفوضى في لبنان ستؤثر سلباً على سوريا التي تضع موسكو ثقلها فيها لإطلاق ورشة اعادة الاعمار. وبالتالي، فإن الهدوء ضروري في لبنان ومهم جداً بالنسبة للكرملين، لأنه سيؤسس أرضية للاستثمار في مجالات التنقيب عن النفط، وسيتبلور ذلك بشكل أكبر بعد الانتهاء من ملف ترسيم الحدود البحرية الذي تحكمه التجاذبات.
وعندها، قد تتدخل موسكو بشكل أكبر وستفرض نفسها كلاعب بارز على الساحة اللبنانية، وستبدأ المنافسة بينها وبين الدول الأخرى لتقديم الحلول التي تؤسس لاستقرار، وبعدها سيكون الهدف هو الفوز باستثمارات النفط على الساحل اللبناني. وفي حال كان لروسيا نصيب من تلك الاستثمارات، فإن هذا الأمر لن يكون مرفوضاً بالنسبة لسوريا ولا حتى لدى مكونات أساسية في الداخل اللبناني وعلى رأسها “حزب الله”.
وعلى صعيد الغرب، فإن السعي الأساس لتجنيب لبنان الفوضى هو في عدم انفجار أزمة نازحين جديدة، خصوصاً إن الدول الأوروبية قد تبدأ اعادة النظر بموضوع اللاجئين السوريين لديها مثلما تفعل الدنمارك مؤخراً.