أشارت ورقة بحثية نشرها مؤخراً المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) أن “إيران تسعى عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري لتزويد الجماعات المسلحة الموالية في أربعة دول عربية بصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى وأكثر دقة من التي بحوزتها حالياً، مما يشكل تهديداً على أمن دولة إسرائيل في حال إندلاع حرب في المنطقة”.
وبحسب مجلة “فوربس” فإن “الحرس الثوري الإيراني قد أنشأ شبكة واسعة من الجماعات المسلحة المتزايدة القوة والنفوذ في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط بما يلبي حاجات طهران في زيادة وتوسيع نفوذها”.
ووفقًا للخبير الإيراني نادر أوسكوي، فقد نجح فيلق القدس بتجنيد وتسليح وتنظيم ما يصل إلى 200 ألف مقاتل من الجماعات المسلحة الموالية لطهران.
وفي الأعوام الأخيرة، زود الحرس الثوري الإيراني العديد من هذه الجماعات بقذائف وصواريخ أكثر دقة وأطول مدى، بالإضافة إلى دعمها ومساعدتها في تطوير قدراتها على إنتاج تلك الأسلحة محليا.
وأوضحت ورقة المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية التي عنونها بـ”الصواريخ متعددة الجنسيات: نهج إيران الجديد لانتشار الصواريخ” إن النظام في طهران عازم على ما يبدو “على تمكين جميع وكلائه الرئيسيين في المنطقة من تصنيع صواريخ مدفعية وصواريخ دقيقة التوجيه بشكل مستقل”.
وأنجح جماعات إيران بالوكالة هي بلا شك حزب الله، حيث ساهم الحرس الثوري الإيراني في تأسيسها عقب حرب العام 1982 في لبنان والتي حاربت الجيش الإسرائيلي لمدة 18 عاماً حتى انسحاب الأخير من جنوب لبنان في العام 2000.
ومنذ حرب العام 2006 التي أدت إلى دمار كبير في البنية التحتية في لبنان، يتجنب حزب الله وإسرائيل حدوث أي تصعيد خطير، فيما عملت إيران على تزويد تلك الجماعات الشيعية في الأعوام الخمسة عشرة الأخيرة بترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف.
وإذا كانت جماعات حزب الله استخدمت في حرب العام 2006 صواريخ غير دقيقة وقصير المدى لاستهداف المدن والبلدات في شمال إسرائيل، فإنها “باتت تملك اليوم، بحسب تقارير استخباراتية، كميات كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى إسرائيل”.
وأشارت دراسة المعهد الدولي إلى أن “الحرس الثوري الإيراني قد ساعد حزب الله في بناء مصانع إنتاج الصواريخ في لبنان لمعاونته على زيادة ترسانته وتحسين دقة صواريخه”.
وفي عام 2019 ، قدر الجيش الإسرائيلي أن “حزب الله يمتلك عشرات الصواريخ أرض-أرض الموجهة بدقة، ولكنه أشار إلى الحزب فشل حتى الآن في إنتاجها بكميات كبيرة محليًا”.
وبدءًا من عام 2013، حاولت إيران إيصال الصواريخ مباشرة إلى حزب الله عبر سوريا التي مزقتها الحرب لكنها تعرضت مرارًا وتكرارًا للهجوم من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، لذلك سعت طهران لاحقا ومنذ العام 2016 ،إلى تسليم الحزب أجزاء صواريخ يتم تجميعها بشكل محلي في لبنان، حيث من غير المرجح أن تقوم إسرائيل بضربات استباقية نظرًا لخطر اندلاع حرب مدمرة أخرى في لبنان.
وفي حالة نشوب حرب لبنان الثالثة بين إسرائيل وحزب الله، أصبحت ترسانة الصواريخ الأخيرة كبيرة جدًا على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية لدرجة أنها، ووفقًا للخبير الأميركي نيكولاس بلانفورد، قادرة على إلحاق “أكبر قدر من الدمار والخسارة في الأرواح” في الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ حرب العام 1948، ولكن بالمقابل سيصاب لبنان بدمار هائل يجعله أشبه بـ”مرآب سيارات” مهجور.
منذ السنوات الأولى للحرب في سوريا، واصل سلاح الجو الإسرائيلي حملة جوية داخل سوريا في المقام الأول لمنع الحرس الثوري الإيراني من نقل صواريخ متقدمة إلى حزب الله في لبنان.
وفي العام المنصرم ، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ما لا يقل عن 500 غارة جوية في جميع أنحاء سوريا، دون أن تتبنى إسرائيل معظمها.
وخلال نفس الفترة، ردت سوريا بإطلاق ما يقرب من 900 صاروخ دفاع جوي في رقم غير مسبوق.
ونقلت وكالة “رويترز” في نيسان عن مصادر استخباراتية إسرائيل “وسعت بشكل كبير” حملتها الجوية في جميع أنحاء سوريا ضد مشروع إيراني مشتبه به لإنشاء منشآت إنتاج صواريخ في ذلك البلد أيضًا.
وبحسب تلك المصادر ، “تقوم إيران بنقل أجزاء من صناعة الصواريخ والأسلحة المتقدمة إلى مجمعات تحت الأرض موجودة مسبقًا لتطوير ترسانة متطورة”،
وقد أشار تقرير المعهد الدولي إلى أن “طهران تسعى إلى صنع صواريخ متطورة داخل سوريا كبديل عن نقلها إلى هناك برا أو جو حيث تكون عرضة للغارات الإسرائيلية”.
وحتى الآن أحبطت الضربات الجوية الإسرائيلية حتى الآن جهود الحرس الثوري الإيراني لإنشاء صواريخ دفاع جوي في القواعد العسكرية السورية، ومنعته من تحديث الدفاعات الجوية السورية القديمة ، والتي دمرت إسرائيل أجزاء كبيرة منها أيضًا في الأعوام الأخيرة.
في بلاد الرافدين، وبحسب دراسة المعهد الدولي، تسيطر إيران على أقوى الجماعات المسلحة التي تعمل تحت مظلة قوات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية، وقد زودت طهران وكلائها من تلك الجماعات الموالية لها بصواريخ أكثر تقدمًا و طائرات بدون طيار مجهزة بقنابل وقذائف.
ففي العام 2001 ، نقل الحرس الثوري الإيراني عددًا صغيرًا من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى إلى هذه الجماعات كجزء من “خطة احتياطية” في حالة تعرض إيران لهجوم من إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ويتراوح مدى تلك الصواريخ بين 200 كيلومتر و 700 كيلومتر مما يضع العاصمة السعودية الرياض أو مدينة تل أبيب الإسرائيلية في مرمى نيرانها في حال جرى نشرها في جنوب أو غرب العراق، وفقا لما ذكرت وكالة رويترز في تقرير حصري لها في العام 2018.
والأهم من ذلك، ساعدت إيران هذه الجماعات على إنشاء مصانع في العراق لبناء المزيد من هذه الصواريخ، ففي شهر تمُّوز من العام 2020 ، كشفت منظمة بدر عن عن صواريخ محلية الصنع يمكن مقارنتها بصواريخ النازعات وزلزال الإيرانية البعيدة والمتوسطة المدى.
ومن المرجح أن ي”ؤدي النقل الناجح للتكنولوجيا والمكونات للجماعات الموالية لإيران إلى زيادة صعوبة منع انتشار مثل أرض – أرض في ترسانات تلك الجماعات المسلحة.
ويبدو أن طهران تستخدم نفس الاستراتيجية مع الطائرات بدون طيار، ففي كانون الثاني الماضي، استهدفت طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات انطلقت من الأراضي العراقية أحد القصور الملكية في العاصمة السعودية الرياض، فيما استهدفت،في أبريل، طائرة مسيرة أخرى منشأة للقوات الأميركية في المطار الدولي بمدينة أربيل في إقليم كردستان العراق.
ويمكن لترسانة متنامية من الصواريخ البالستية قصيرة المدى في العراق أن تهدد إسرائيل في حالة نشوب حرب على مستوى المنطقة بين إيران وإسرائيل في المستقبل ، كما هو الحال بالنسبة للطائرات بدون طيار بعيدة المدى.
وتدرك إسرائيل التهديد المحتمل الذي يمكن أن تشكله القوات المدعومة من إيران في العراق لذلك يعتقد أنها كانت وراء سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت منشآت الحشد الشعبي في العام 2019 في جميع أنحاء العراق، بحسب مجلة “فوربس”.
وكانت تلك الضربات الجوية الإسرائيلية هي الأولى من نوعها على الأراضي العراقية منذ أن دمرت إسرائيل مفاعل تموز النووي العراقي في حزيران 1981.
وقد تشن إسرائيل المزيد من الغارات ضد تلك الجماعات إذا بدأت الأخيرة في تطوير الأسلحة الهجومية بعيدة المدى .
يستهدف الحوثيون في تلك الدولة التي مزقتها الحرب العديد من المواقع داخل السعودية عبر هجمات متكررة بصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار باتت أكثر تطور أو قدرة على إصابة أهدافها، وذلك جراء المساعدة التقنية والحصول القطع والمعدات اللازمة من إيران، وفقا لمصادر استخباراتية متعددة.
وفي كانون الثاني، ذكر تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن “مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن الأفراد أو الكيانات في جمهورية إيران تزود الحوثيين بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات اللوجستية اللازمة”.
وكما هو الحال مع صواريخ حزب الله والجماعات العراقية، تتزايد دقة هذه الأسلحة ومداها بشكل كبير ويمكن أن تشكل تهديدًا لإسرائيل على المدى القريب.
وفي جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في 21 نيسان، أخبر تيم ليندركينغ، المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، المشرعين في الكونغرس أن إيران تساعد الحوثيين في “ضبط” قدراتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار.
وقال: “لسوء الحظ، كل هذا يعمل على إحداث تأثيرات قوية للغاية حيث نرى المزيد والمزيد من الهجمات على المملكة العربية السعودية وربما دول أخرى، وتلك الهجمات باتت تتمتع بالمزيد من الدقة والفتك”.
كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية في كانون الثاني أن “نشر أنظمة القبة الحديدية وصواريخ باتريوت للدفاع الجوي بالقرب من منتجع إيلات جنوب البحر الأحمر مرده إلى مخاوف من أن الحوثيين قد يحاولون استهداف المنطقة بالصواريخ أو الطائرات المسيرة”.
في كانون الأول2020 ، قال المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، هيداي زبرمان، نقلاً عن المخابرات الإسرائيلية ، إن “إيران تساعد وكلاء في العراق واليمن على تطوير طائرات بدون طيار و “صواريخ ذكية” يمكن أن تستهدف بلاده”.
وبحسب التقارير أثبت الحوثيون أنهم قادرون على تطوير صواريخ بعيدة المدى يصل مداها إلى 900 ميل، وجرى استخدام بعضها المعروف باسم “بركان 3” في هجوم على السعودية في شباط الماضي.
وحذّر المحلل العسكري الأميركي، مايكل نايتس، من أن “صواريخ بركان 4 بعيدة المدى قد تهدد إسرائيل في المستقبل المنظور”.
أوضح أن ميناء إيلات جنوبي إسرائيل هو على بعد 1100 ميل فقط من بعض مناطق منصات إطلاق صواريخ الحوثيين فيما تبعد بقية أجزاء إسرائيل1250 ميلاً كحد أقصى عن تلك المنصات.
وأردف: “بعبارة أخرى، مع زيادة إضافية في مدى تلك الصواريخ بنسبة 20٪ فقط، ستكون صواريخ الحوثي (أو طائرات صامد بدون طيار) قادرة على ضرب أي هدف في إسرائيل – وهو ما قد يفسر سبب إعادة انتشار بعض الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية لمواجهة تلك الأخطار المحتملة”.
وختمت فوربس بالقول، بأن “كل هذه التطورات هي تذكير صارخ بأن الحرب بين إسرائيل وإيران في حال اندلاعها ستتحول إلى حرب مدمرة للغاية تجتاح العديد من البلدان في منطقة تعاني بالأساس الكثير من الكوارث الإنسانية والاضطرابات الميدانية والقلاقل السياسية”.