نشر موقع “عربي بوست” مقالاً للصحافي صهيب جوهر، بعنوان: “فرنسا استسلمت لتعنت لبنان التي لم تعد في أولوية المتفاوضين”.
وجاء في المقال: “إذا كانت السلطة القابضة على الدولة والمؤسسات قد رسبت في امتحان الثقة، سواء أمام شعبها أو المجتمع الدولي، وفي امتحان إثبات قدرتها على أنها تمتلك أصلاً مؤهلات تولِّي زمام الحكم وإدارة الدولة. وإذا كانت هذه السلطة قد قدمت للبنانيين وللعالم أجمع، وبجدارة لا مثيل لها، أنها عنوان للعجز والإفلاس الكامل، بفشلها الذريع في حلّ أو فكّ ولو واحدة من العُقد البسيطة أو المستعصية المتراكمة على طول المشهد الداخلي وعرضه منذ 17 تشرين الأول، فكيف لها أن تُؤتمن على مصالح البلاد؟!”.
وتابع المقال، “فيما تُجمع المراجع السياسية وكل من يتابع الشأن اللبناني في الخارج على أن المسؤولية ملقاة على رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وعليهما الذهاب باتجاه تشكيل للحكومة العتيدة من دون انتظار رفع عقوبات أو تسهيلات أو وعود رئاسية، لأن المسؤولية الأولى والأخيرة في نهاية المطاف، لبنانية وعلى المسؤولين تحمُّل مسؤولياتهم في وقف هذا الانهيار الذي جَوَّع أكثر من نصف اللبنانيين ويهدِّد النصف الآخر في حال رفع الدعم قريباً”.
وأشار إلى أنّ، “هذه التجاذبات والمواقف أضيف إليها موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، خلال مشاركته في اجتماع الهيئة العمومية للمجلس المذهبي للطائفة الدرزية، حيث قال: “لا أستطيع اليوم أن أبشّر بشيء ولن أقوم بأي مبادرة، فقط لَبَّيت دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون وقامت القيامة يميناً ويساراً، لم أكن المُبادِر وقلت لا بد من تسوية. ففي أوج الحرب عندما كانت المدافع تَقصف، شكَّلنا حينذاك حكومة وفاق وطني مع أمين الجميّل الذي كنّا على عداء مع عهده في حينه، وإذا كانت لم تعطِ نتيجة فهذا أمر آخر، لكننا شكَّلنا حكومة بأوج الحرب في عام 1984. واليوم إذا كان هناك أحد في البلد يظن أنهم يفكرون بنا، فلا أحد يفكر بنا، وإذا لم يقم أصحاب الشأن الكبار بتسوية داخلية، فلا موسكو ولا غيرها تستطيع أن تنوب عنا بتسوية داخلية”.
وأضاف المقال، “في قهوته المعتادة يجلس دبلوماسي غربي ممسكاً كوب قهوته المسائية ويدخن في الهواء الطلق، يجزم الرجل بأن كل من يتولون الأمر في بيروت ينتظرون تشكيل الحكومة، خشية ولادتها قبيل وضوح الصورة في اتفاق أميركي-إيراني. برأي الدبلوماسي فإن حزب الله ليس مستعجلاً على الحكومة ويفضّل تفعيل حكومة حسان دياب المستقيلة في المدى المنظور”.
ولفت إلى أنّه “فيما يريد جبران باسيل ضمانات حول العقوبات والرئاسة للموافقة على إجراء تنازل في عملية التشكيل. أما عن الرئيس المُكلّف سعد الحريري فيعتقد الرجل أنه يخشى حكومة تزيد الشرخ بينه وبين السعوديين والأميركيين إذا ما كانت الحكومة شبيهة بسابقاتها، في ظل الحديث السعودي المنقول عن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بأن مرحلة الحريري طُويت ولا فائدة من إعادة تعويمه ودعمه بعد التجارب الفاشلة معه وتحديداً التسوية الرئاسية وما نتج عنها”.
ووفق الدبلوماسي فإنه “وبسبب الصراع السياسي الحاصل يتراجع ترتيب لبنان على لائحة الاهتمامات والأولويات الدولية والإقليمية، وترتفع في المقابل درجة القلق الخارجي على أوضاعه والمنحى الخطر الذي يسلكه لبنان، في ضوء الانسداد السياسي والانهيار الاقتصادي والمالي وخطر الانفجار الاجتماعي والأمني، وسط تداخل داخلي بين معركة الحكومة التي تراوح مكانها ومعركة رئاسة الجمهورية التي فُتح ملفها باكراً”.
وأكّد المقال، وفي ظل ارتباط ثابت للملف اللبناني الجامد بملفات المنطقة المتحركة، فإن “أكثر ما يلفت اهتمام الدوائر الدبلوماسية، هو ارتفاع درجة الضغوط على رئيس الجمهورية ميشال عون والدفع باتجاه انتخابات رئاسية مبكرة من مصادر وبأشكال متعددة”.
ويعتقد الدبلوماسي أن باريس، التي تحول الملف اللبناني من باتريك دوريل إلى ماكرون ووزير خارجيته مباشرة، بدأت تستسلم للتعنت اللبناني وأصبحت مقتنعة بأن الأطراف تدير ظهرها لباريس وأن العين باتت في فيينا حيث تُعقد جلسات الحوار الأممية مع الإيرانيين، وأن عيناً أخرى باتت في بغداد حيث حوار عربي-إيراني لبحث ملفات المنطقة، ويرى الدبلوماسي الغربي أنه وفي حال نجحت المفاوضات العربية مع إيران فإن لبنان لا يشكل أولوية بالنسبة للعرب، فالأولوية مع إيران تنقسم بين اليمن وسوريا والعراق.
وتابع المقال:”لكن وبالتوازي فإن الرجل يؤكد أن النقاشات الدائرة داخل الدول الأوروبية المتابِعة للشأن اللبناني عن كثب، تدرس الآليات المتاحة لفرض العقوبات على مُعرقِلي تأليف الحكومة اللبنانية، وأن هذه النقاشات تديرها باريس لتأمين صدور قرار عقابي أوروبي مشترك، لكن الدفع الأقوى ظهر مع تخطّي المانيا الحماسة الفرنسية بأشواط، واندفاعها بعيداً في دعوتها إلى معاقبة المعرقلين، وهو ما يعطي مؤشراً إضافياً إلى أنّ باب الضغوط لا يزال منحاه تصاعدياً”.
ويخشى الدبلوماسي المخضرم أن “تكون الأيام المقبلة صادمة وأن تزداد نسب الفقر والجوع والفوضى على خلفية قرار رفع الدعم المرتقب، لذا فإن الرجل يستغرب عدم التقدم في عملية تشكيل الحكومة، التي سيكون أول برامجها عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي والبدء بإصلاحات ووقف مزارب الهدر والفساد”.
وأضاف، لذا فإن طالحل هو السماح بالإفراج عن الحكومة وإلا فستتجرّع البلاد “كأس سُم” رفْع الدعم عن السلع الأساسية كالوقود والطحين والدواء، في ظل غياب شبكات أمان اجتماعية وسياسية، فيما الخارج لم يعطِ جواباً إذا ما سيسمح بانهيار البلد، يعول الدبلوماسي على ما يسميه العرب بـ”الفزعة” وتحديداً من دول قطر والكويت وتركيا، في حال وصلت الأمور لمنحى اجتماعي خطير، إضافة إلى أن الفرنسيين ومعهم الأوروبيون لن يتوقفوا عن برنامج دعمهم في إطار إنساني، فيما يتساءل الرجل عما إذا كانت طهران ستساعد اللبنانيين في حال وقعت الطامة الكبرى وسقط البلد مالياً واجتماعياً”.
وأشار المقال، إلى أنه “في التطورات الحاصلة بالمنطقة يعتبر الدبلوماسي أن ما يجري في المنطقة من إعادة التفاهمات وإجراء مصالحات ليس غريباً، يعتقد الرجل أن الأتراك والسعوديين والمصريين والقطريين لديهم إمكانية لعقد تفاهمات مهمة لوقف الصراعات وبناء شراكة مهمة في أطر سياسية واقتصادية وفي خبرات مكافحة الإرهاب، ويعتقد أن الخطاب المتوازن للإدارة التركية تجاه السعوديين والمصريين يبدو مهماً”.
كما وأن والمقابلة التي أجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كانت إيجابية باتجاه المحيط، حيث كان خطابه متعقلاً ومنفتحاً، وهذا مؤشر على تفهُّم ما يجري وأن المنطقة تتغير وأن قطر تلعب اليوم دوراً مهماً في ملفات كأفغانستان وسوريا واليمن في إطار سياسة “مصالحة الخصوم”، وأنها قد تلعباً دوراً في تقريب وجهات النظر بين السعوديين والأتراك.
وختم الصحافي صهيب جوهر، مقاله بالقول: “في الملف اللبناني لا يعتقد الدبلوماسي أن تركيا تود الدخول للعمق اللبناني ولعب دور في الشمال أو بيروت، لأن أولوياتها الحالية في المتوسط تكمن في ترسيم الحدود البحرية مع الدول التي تختلف معها، وأن لبنان قد يكون ملفاً هامشياً أمام ملفات مهمة أخرى تنشغل بها، وأن ما يجري من محاولات تحميل الأتراك مسؤولية بعض الأحداث يبدو مضخَّماً ويهدف من قِبل أطراف لبنانية إلى جذب التمويل العربي أو الدولي لمكافحة الأتراك، ولا أظن أنه سيجدي نفعاً”.