بانفصام كبير عن الواقع، يواصل العهد وتياره سياسة الإنكار والقفز فوق الحقائق، حيث لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يسطّر مواقف وتصريحات يومية لا يكاد يتجاوز صداها جدران قصر بعبدا، فتراه بالأمس يتحدث بصيغة “نحن والشعب اللبناني” بينما هذا الشعب بأغلبيته الساحقة والمسحوقة تحت حكمه، أصبح يطالب جهاراً نهاراً باستقالته وتنحيته، ومنهم من بات يطالب بمحاكمته وإدانته، أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل فمستمر في ادعائه الهزلي تمثيل “مسيحيي المشرق”، وهو في لبنان بالكاد يستطيع إحكام قبضته على تياره المتداعي، وينازع بشق الأنفس للحفاظ على تمثيله الوزاري ووجوده السياسي والنيابي.
بشكل جليّ، باتت تفليسة المنظومة الحاكمة تجد انعكاساتها الواضحة على حالة التخبط وانعدام التوازن التي يمرّ بها باسيل، إلى درجة لم يعد يتوانى معها عن محاباة العدو الإسرائيلي لإعادة تعويمه في بحور الترسيم والتطبيع، وصولاً إلى “استنجاده باليمين المتطرف في أوروبا”، لا سيما في فرنسا حيث كشفت معلومات موثوق بها أنّ “زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن كانت قد اتصلت برئيس وزراء هنغاريا فيكتور اوربان، وتمنت عليه إرسال وزير خارجيته بيتر سيارتو إلى لبنان في زيارة دعم لجبران باسيل، باعتباره يتشارك معها في الأفكار المعادية للمهاجرين وضرورة دعم بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا”.
وبهذا المعنى، جاء تأكيد باسيل من موسكو أمس على أهمية “تثبيت الرئيس الأسد” في الانتخابات الرئاسية السورية، محاولاً بذلك دغدغة مشاعر القيادة الروسية من خاصرتها السورية، آملاً استدراجها إلى التخندق معه في مقاربتها الملف الحكومي اللبناني، غير أنّ موسكو بدت في المقابل غير مهتمة بالاستثمار في “حصان خاسر” على المضمار السياسي اللبناني، بل على العكس من ذلك حرصت على “تحجيم باسيل سواء في شكل استقباله أو في مضمون المحادثات التي أجرتها معه”.
ففي الشكل، وتأكيداً على ما كانت “نداء الوطن” قد كشفت النقاب عنه أمس من رفض القيادة الروسية طلب باسيل عقد مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تعاملت معه موسكو بطريقة “مهينة” كما وصفتها مصادر ديبلوماسية، لا سيما وأنها سمحت له بعقد مؤتمر صحافي مشترك مع “موظف درجة عاشرة” في وزارة الخارجية. أما في المضمون، فكان الرد الروسي الأبرز على محاولة باسيل التصويب من موسكو على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، عبر بيان صادر عن الخارجية الروسية مساءً إثر استقبال نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وافريقيا ميخائيل بوغدانوف أمس، السفير اللبناني لدى روسيا شوقي بو نصار بناءً على طلب الأخير، بحيث شددت موسكو في البيان على أنّ “الجانب الروسي أكد أهمية تشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري في أقرب فرصة ممكنة، تكون قادرة على إيجاد حلول فعالة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في المجتمع اللبناني”.
وتزامناً، تسمّرت القوى السياسية مساء أمس أمام خبر “فرض قيود” على دخول شخصيات لبنانية مسؤولة عن عرقلة عملية تشكيل حكومة المهمة الإنقاذية وأخرى ضالعة في الفساد، إلى الأراضي الفرنسية، وهو ما رأت فيه مصادر مواكبة لمستجدات الأجواء الفرنسية “بداية ترجمة عملية لتلويح باريس المتكرر بمعاقبة المعرقلين اللبنانيين لتطبيقات المبادرة الفرنسية، بمندرجاتها الحكومية والإصلاحية”، مشيرةً إلى أنّ “الإدارة الفرنسية قررت على ما يبدو تجاوز تعقيدات فرض عقوبات مشتركة مع الاتحاد الأوروبي على المسؤولين اللبنانيين المتهمين بعرقلة ومنع تنفيذ أجندة الإصلاح ومكافحة الفساد، عبر خطوات فرنسية أحادية بانتظار استكمال النقاشات الدائرة في بروكسل حيال مسألة فرض عقوبات أوروبية على المعرقلين، نظراً لكون هذه النقاشات ستستغرق وقتاً طويلاً للاستحصال على إجماع أعضاء دول الاتحاد الأوروبي إزاء هذه الخطوة”.
وبينما انهمكت الأوساط السياسية اللبنانية ليلاً في محاولة التنقيب عن الأسماء المستهدفة في الإجراءات الفرنسية الجديدة، أكدت المصادر أنّ المعطيات المتوافرة حتى الساعة تؤكد بأنّ “باريس لم تنتهِ بعد من إعداد قائمة الأسماء المعنية بهذه الإجراءات، إنما أقرت مبدأ فرض القيود على شخصيات لبنانية متهمة بالعرقلة والفساد”. في حين نقلت الزميلة رندة تقي الدين من باريس عن مصادر فرنسية رفيعة تأكيدها لـ«نداء الوطن» أن الإدارة الفرنسية لن تقوم بإعلان أسماء الشخصيات اللبنانية المستهدفة بالقيود الجديدة.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قد أعلن أمس أنّ بلاده فرضت قيوداً على دخول شخصيات لبنانية تعتبر مسؤولة عن عرقلة الحياة السياسية اللبنانية أو ضالعة في الفساد، وقال: “نحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية في حق كل من يمنعون الخروج من الأزمة، وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين”، من دون أن يتطرق إلى تحديد أسماء الشخصيات التي يستهدفها الإجراء الفرنسي.
المصدر : نداء الوطن