كتبت فرح نصور في “النهار”:
فيما نقترب أكثر من شهر أيار، شهر #رفع الدعم، وهو الهاجس الذي يدور في بال اللبنانيين الذين بات أقصى همّهم تأمين لقمة عيشهم، تجري اجتماعات حكومية حثيثة حول #البطاقة التمويلية، التي يحسبها البعض نوعاً من الفرج.
أمور كثيرة تتعلق بالبطاقة ما زالت غير محسومة أو واضحة، سواء لناحية مصدر التمويل، أو لناحية قيمة البطاقة لكل عائلة. لكن ما هو مؤكَّد حتى الساعة، هو أنّ عدد الأسر التي تحتاج إلى الدعم يقارب الـ750 ألف عائلة، بحسب إدارة الإحصاء المركزي.
وفيما يبلغ عدد الأسر اللبنانية مليوناً ومئة ألف عائلة في لبنان، فإنّ رقم 750 ألفاً يعني أنّ نحو 70% من الأسر اللبنانية بات بحاجة إلى مساعدة، وستتأثّر بنسبٍ متفاوتة من جرّاء رفع الدعم.
هل ستحقّق البطاقة الهدف المنشود منها مع رفع الدعم، الذي سيرافقه ارتفاع في سعر الدولار؟ ومن ثم التضخّم في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية؟ مَن المستحِقّ لهذه البطاقة؟ وكيف نضمن وصولها إلى مستحقّيها؟
يقول المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة، الدكتور عاصم أبي علي، في حديث لـ “النهار”، بأنّ “هناك مشكلة ترتبط بقرض البنك الدولي، لأنّ مجلس النواب وضع ملاحظات على مشروع القرض، ويجب أن تُحال على البنك الدولي في واشنطن ليضع تعليقاته بخصوصها. لذلك، قد يتأخّر القرض، لكن لا يمكن انتظار أمواله لكي نسير بالتوازي مع البطاقة التمويلية، إذ يجب علينا العمل على البطاقة التمويلية بمعزل عن وجود القرض، على أن يُصار إلى الاستفادة من القرض فور الإفراج عنه وتوفّره في حسابات مصرف لبنان، لزيادة قيمة الدعم”.
وكما هو معلوم، تواجه الدولة مشكلة تمويل البطاقة التمويلية، فهي ستوزَّع على 750 ألف عائلة. و”تقنياً هذا الموضوع معقَّد جداً، ومن ضروب المستحيل أن يحصل في لبنان في ظلّ إمكانيات متواضعة مُتاحة. إذاً، توفير البطاقة بحاجة إلى جهود وتضافر ومؤازرة من المجتمع الدولي، ومن الإدارات العامّة والوزارات المعنيّة للنجاح في هذا الاختبار، لأنّها كرة نار لا أحد يرغب في تحملها “، بحسب أبي علي.
ويستطرد أبي علي أنّ “مسألة نجاح البطاقة صعبة في ظل الظروف الراهنة والتداعيات والحاجات المُتاحة أمامنا، وهي تحدٍّ صعب لكن يجب أن نكون على قدر المسؤولية لتقديم ما يصبو إليه المواطن، فهذا الموضوع يمسّ الفقير ولقمة عيشه”.
وعن الداتا الدقيقة التي تضمن وصول البطاقة إلى جميع الفئات المستحِقَّة، يشير أبي علي إلى أنّ “لدى وزارة الشؤون الاجتماعية قاعدة بيانات عن الأسر الأكثر فقراً لكنّها غير كافية، فعدد الأسر التي تحتاج إلى البطاقة التمويلية يفوق بيانات الفقر، أي نتحدث عن معظم الشعب اللبناني”.
وستُطلق وزارة الشؤون الاجتماعية منصّة تقديم الطلبات على البطاقة التمويلية، وخلال تعبئة الاستمارة، هناك مؤشرات لدخل المتقدِّم بالطلب، ومعلومات شاملة عنه للبحث في مسألة استهداف الأشخاص المستحقين.
وفي هذا الإطار، يناشد أبي علي المواطنين الذين يجدون أنفسهم ميسورين أو قادرين على الصمود في هذه الأزمة دون مساعدة، أن يتحلّوا بمسؤولية وطنية وألّا يتقدّموا إلى هذه المنصّة، إتاحة للمجال لمَن هم أكثر حاجة.
وعن المبلغ المحدّد لكل عائلة وفقاً للبطاقة، يلفت أبي علي إلى أنّه حتى الآن، لم يحسم المبلغ المخصَّص لكل عائلة في الشهر، إذ يجب دراسة الموضوع بدقّة والبحث عما إذا كان يحمل تداعيات على سعر الصرف وأسعار السلع الأساسية. والأمر يتوقّف كذلك على مصدر التمويل وقيمته.
ماذا عن تمويل البطاقة التمويلية؟ فيما لا يزال مصدر تمويل البطاقة التمويلية غير محدّد، وسط الحديث عن مصادر عديدة، تسعى الحكومة إلى اعتماد واحد منها. هناك خيارات مطروحة، منها قروض ومساعدات خارجية بالدولار، ولا سيّما المساعدة القطرية التي تنتظر الحكومة حتى الآن جوابها على طرحها، وطبع الليرة لتوفير البطاقة بالليرة، وكذلك خيار اللجوء إلى ما تبقّى من الاحتياطي بالعملة الأجنبية من مصرف لبنان.
وتؤكّد مصادر حكومية لـ “النهار”، أنّ “هناك مجموعة خيارات أمام الحكومة قيد الدراسة والنقاش. وليس هناك أي توجّه حاسم لأيّ منها حتى الساعة، ويحتاج الأمر إلى حلّ بعض الأمور اللوجستية في ما يتعلّق بالبطاقة التمويلية، بالإضافة إلى أنّ مشروع القانون سيُحال على مجلس النوّاب لإقراره، ما دام طرح البطاقة يتطلّب إنفاقاً”.
أما متى يمكن طرح هذه البطاقة، فتقول المصادر بأنّ “من الصعب تكهّن هذا التوقيت، لكنّ العمل سارٍ لطرحها بأسرع وقت “.
أمّا إمكانية الانتهاء من العمل على البطاقة وطرحها قبل رفع الدعم في أواخر شهر أيار، فتؤكّد المصادر أنّ “العمل على البطاقة التمويلية وإقرارها ليس تحت ضغط رفع الدعم، لأنّ البطاقة التمويلية لن تكون جاهزة قبل آخر شهر أيار، ورئيس الحكومة حسان ديب لا يزال عند قراره أنّه لا رفع للدعم دون بطاقة تمويلية. لكن إذا ما أراد أحدهم تنفيذ قرارات وحده برفع الدعم فهذه مسألة أخرى”.
وتلفت المصادر إلى أنّ الحديث يجب أن يكون عن ترشيد الدعم أو رفع الدعم الجزئي، لا رفع الدعم الكلّي. وفي ما يتعلّق بمصير الدعم الجزئي على السلع الأساسية، تؤكّد المصادر أنّه حتى اللحظة، ليس هناك أيّ دراسة محسومة في هذا الإطار، وكلّ السيناريوهات المطروحة لهذه الغاية قيد الدرس.
لكن أين الاستفادة من البطاقة التمويلية مع رفع الدعم، ولو تدريجياً، الذي سيرفع من سعر صرف الدولار ويؤدي إلى تضخّم الأسعار؟
يشرح الدكتور ناصر ياسين، الأستاذ المحاضر في “الجامعة الأميركية في بيروت”، في حديث لـ “النهار”، أنّ رفع الدعم بطريقة منظَّمة يستوجب توفر بديل لمرحلة معيّنة ريثما يعود الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. و”هذه البطاقة تعوّض جزئياً من خسارة قدرة الناس الشرائية من جرّاء رفع الدعم. وبما أنّ سعر الصرف متحرّك، فالحلّ هو أن تكون البطاقة بالدولار لمرحلة معيّنة، للتخفيف من وطأة تضخّم الأسعار”.
ويضيف أنّه “إذا ما اعتُمد تمويل البطاقة عبر طبع المزيد من الليرة لتوفير البطاقة بالليرة، دون الحصول على تمويل من صندوق النقد أو مانحين آخرين للجم سعر الصرف الذي سيرتفع، فسنكون بذلك “مكانك راوح”، ولن تفيد البطاقة، فطبع مزيد من الليرة مع رفع الدعم يعني تضخّماً مفرطاً”.
وفي هذا السياق، سترتفع حتماً الأسعار وستتراجع القدرة الشرائية بشكلٍ إضافي. وفيما يستهدف برنامج شبكة الأمان الاجتماعي نحو 20% من الأسر الأكثر فقراً، يُضافُ إلى هذه النسبة 50% من الأسر اللبنانية التي ستتأثّر من رفع الدعم. وقد جاء في تقرير البنك الدولي أنّ 50% من الشعب اللبناني بات تحت خطّ الفقر، وسيزداد هذا الرقم أكثر عبر إضافة الفقراء الجدد. وهناك داتا كافية عن الـ 20%، أمّا الـ50% فيجب التحقّق منهم وفق عمل جدّي من وزارة الشؤون الاجتماعية، وإضافتهم إلى مستحقّي البطاقة.