هذا الأمر يضعنا أمام ثلاثة احتمالات:
– ألا وقف الدعم من قبل مصرف لبنان مع إقرار الحكومة للبطاقة التمويلية، وهو ما سيسمح نظرياً بتخفيف وطأة رفع الدعم إلى حدٍ ما على من سيحصل على هذه البطاقة. هذا السيناريو مُستبعد نظرًا إلى موقف الرئيس حسان دياب الرافض لإجتماع حكومته مهما كان السبب؛
ثانيًا – وقف الدعم من قبل مصرف لبنان من دون إقرار البطاقة التمويلية، وهو ما سيؤدّي إلى كارثة إجتماعية ونتيجته الفلتان الأمني على صعيد واسع؛
ثالثًا – الإستمرار في الدعم، وهو ما يعني المسّ بالاحتياطي الإلزامي (أي أموال المودعين). هذا الأمر مُستبعد أيضًا نظرًا إلى أن نقابة المحامين هدّدت بملاحقة المسؤولين أمام القضاء نظرًا للمخالفة الدستورية للمس بالإحتياطي الإلزامي.
رابعًا – إحتمال تشكيل حكومة جديدة تقوم بإصلاحات شاملة، ومن بينها تأمين الأمن الغذائي للمواطن اللبناني، وبالتالي تأمين الدولارات لهذا الأمر. إلا أن هذا السيناريو مُستبعد أيضًا في المدى المنظور نظرًا إلى التعقيدات السياسية التي لا تؤشّر إلى وجود حكومة في المدى القريب!
إذًا ومما تقدّم، نرى أن الوضع مُتجه نحو رفع الدعم – أي وقف تسليم الدولارات على سعر 1500 وسعر 3900 للتجّار – من دون أي ضمانة لناحية ضبط الأسعار. وهذا الواقع سيُشكّل صدمة في هيكلية الفقر الذي سيؤدّي إلى كارثة تُبرزها التوقّعات التي ستطال أعداد الأسر القادرة على تأمين حاجاتها الغذائية بعد رفع الدعم!
عمليًا وفي ظلّ فرضية رفع الدعم من دون أي دعم، هناك أكثر من 24.8% من الطبقة المتوسّطة التي تبلغ حاليًا 39.8% من الشعب اللبناني، ستنقل إلى الفقر لتُصبح معها الطبقة الفقيرة 80% من الشعب اللبناني. أضف إلى ذلك أن الطبقة الفقيرة ستغوص أكثر في الفقر مع اشتداد عمق الفقر لدى هذه الطبقة، مما سيؤدّي حكمًا إلى تغيير جذري يُمكن تعليمه في الجامعات كأول حالة تغيير هيكلية في الفقر تتمّ في هذه السرعة، أي في فترة بضعة أشهر!!!
البطاقة التمويلية، في حال إقرارها، ستُخفّف حكمًا من هذا التطور الخطر خصوصًا على صعيد عمق الفقر لدى الطبقة الفقيرة، إلا أنها لن تُساعد الطبقة المتوسّطة التي سيسقط منها ما يُقارب الثلث، أقلّه في الفقر. فمثلا إذا كانت عائلة لها مدخول مليون ونصف المليون ليرة شهريًا، تستفيد من البطاقة التمويلية بحكم عدم قدرتها على سدّ حاجاتها، فإن عائلة مع مليونين ونصف المليون ليرة لا تستفيد من هذه البطاقة ستقع حكمًا في الفقر وستكون العائلة الفقيرة في حالٍ أفضل من حالة العائلة المتوسّطة! هذا الأمر يعني تعديل (بتدخّل إصطناعي من قبل السلطات) بهيكلية المُجتمع وهو ما قد يُشكّل دافعًا رئيسيًا للطبقة المتوسّطة إلى الهجرة!! الجدير ذكره أن عصب المجتمعات هو الطبقة المتوسّطة التي يجب أن تُشكّل ما لا يقّل عن 90% من المجتمع لكي يُقال ان هناك سياسة إجتماعية عادلة في المجتمع. إلا أن الأرقام الحالية تُشير إلى أن هذه الطبقة قد تتهاوى إلى ما دون الـ 20% من المُجتمع اللبناني، وهو ما يعني فقدان الدولة لمُعظم مداخيلها الضريبية بحكم أن الطبقة المتوسّطة هي الأساس في مداخيل الدولة الضريبية، ولكن أيضًا فقدان الاقتصاد لعامل الإستهلاك الذي يُشكل مكوّنا أساسيا في الناتج المحلّي الإجمالي. وهذا ما يقود إلى تراجع أكبر بكثير مما هو متوقّع من قبل المؤسسات الدولية لهذا العام (~6%ّ)!
من هذا المُنطلق، يجب معرفة أن الحلّ الأمثل يبقى في تشكيل حكومة تستطيع من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تأمين الحدّ الأدنى من الدولارات لإستيراد السلع والمواد الغذائية والأساسية. إلا أنه وفي ظّل غياب هذا الخيار وتلكؤ الحكومة في القيام بواجباتها يبقى حلّ المسّ بالودائع من خلال الاحتياطي الإلزامي. وقد يكون هذا الخيار مُمكنًا لو أنه لا يُوجد تهريب والمُستفيد الوحيد هو الشعب اللبناني، إلا أن عمليات التهريب التي تمرّ تحت أنظار الدولة يجعل المسّ بالودائع جريمة أخرى تُرتكب ضد الشعب اللبناني.
من هنا، نرى أن السيناريو الأكثر إحتمالا، هو أن يعمد مصرف لبنان إبتداءً من منتصف الشهر القادم الى خفض الدعم بشكل ملحوظ، على أن يُحافظ على سلّة صغيرة من الأساسيات للمواطن اللبناني لكي يعيش بكرامة. وباعتقادنا كلّ ما يتمّ تهريبه ويستهلك قسما كبيرا من الدعم بالدولارات من قبل مصرف لبنان (كالمحروقات مثلا) يجب وقفه نظرًا إلى فظاعة الجريمة التي ترتكب المواطن على صعيد حرمانه من دولاراته وعلى صعيد حرمانه من المحروقات المُشتراة بدولاراته!
يبقى القول إن الحكومة اللبنانية تتعامل مع هذا الموضوع بشكل مُريب يطرح أسئلة عديدة وعلى رأسها النيّة بالمس بالودائع والذهب اللذين يُمثّلان عنصر الخلاص الوحيد والأخير للنهوض من الأزمة لمصلحة قلّة تستفيد من هذه العملية. إن تصرّف التجّار والمُهربين والصيارفة المضاربين هو عمل مُدان بكل أبعاده، وإذا ما كان هناك من عدالة في يومٍ من الأيام أو أمل في أن ينهض البلد من كبوته، يجب أن تتمّ حقيقة مُساءلة هؤلاء أمام القضاء اللبناني المستقل من مصالح النافذين الذين أمعنوا في الفساد والدمار.