نمت الودائع لدى المصارف العامة السورية بنسبة بلغت 61 في المئة ولدى المصارف الخاصة التقليدية بنسبة وصلت 95 في المئة، وفق بيانات البنك المركزي الأخيرة، بالتوازي مع تطور جديد طرأ بشكل إيجابي لليرة عملة البلاد منذ منتصف أبريل (نيسان) الجاري.
وأفضت المؤشرات الأخيرة عن نمو جديد في إجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي بقيمة 7.434 مليار ليرة بزيادة تعادل 3.073 مليار ليرة مقارنة بالعام 2019، ولعل نمو 77 في المئة يعد فوزاً لليرة المرهقة بعد تعرضها لكثير من الضربات والانهيارات المتلاحقة قبل أشهر.
في المقابل تواصل الليرة تحسنها أمام الدولار الأميركي (2975 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد) بحسب نشرة الصرف في 26 أبريل الجاري، بينما قفز الدولار قبل شهرين متخطياً حاجز الـ 5 آلاف ليرة وسرعان ما تراجع إلى 4800 ليرة مقابل الدولار.
التحسن وعلاقة الحوالات
في غضون ذلك تتنبأت الأوساط الاقتصادية والمصرفية حصول انخفاضات متلاحقة تصل إلى حدود 2500 ليرة للدولار الواحد كنتيجة لإجراءات حكومية منها تسليم الحوالات بسعر قريب من سعر الصرف غير الرسمي في السوق السوداء، علاوة على قرارات جديدة بتسليم شركات الحوالات بالعملة الأجنبية “الدولار” للتجار والصناعيين، بعد ما كان التداول بتلك العملة جريمة تصل لعقوبة الحبس.
ويقول مصدر في إحدى شركات الصيرفة في حديثه لـ “اندبندنت عربية” عن تحول كبير تعيشه الشركات خلال الآونة الأخيرة إثر قرار تسليم الحوالات الخارجية بأسعار قريبة من السعر الرائج، عبر الاستلام بالعملة الأجنبية (الدولار) من سوريا بـ 2825 ليرة.
ويضيف “هذا يعد قريباً جداً من السعر الرائج، والذي لم يتخط بعد الثلاثة آلاف ليرة، نشهد إقبالاً واسعاً، وهذا أعطى انطباعاً مريحاً للناس باستلام حوالاتهم بسعر مناسب، من دون أن يتعرضوا لمخاطر الملاحقة القانونية في حال اتجهوا إلى حوالات السوق السوداء التي درج السوريون على استلام حوالاتهم منها في السنوات الماضية”.
“ثوب جديد”
اللافت بالأمر أن التطور الإيجابي للعملة أتى بالتوازي مع إقالة حاكم سوريا المركزي، حازم قرفول في 13 أبريل من دون أن يبرر قرار عزله السبب، وهو أحد مديري مؤسسة تُعدّ المسؤولة الأولى عن رسم السياسة النقدية في بلد ما زالت تدور على أرضه رحى الحرب منذ عام 2011 واستنزفت مقدراته الاقتصادية والمالية.
وعلى الرغم من عدم الإفصاح رسمياً عن أسباب إقالة حاكم البنك المركزي، إلا أن أوساطاً اقتصادية حمّلته مسؤولية تدهور العملة إلى مستويات شاسعة، وتعقُد هذه الأوساط المتخصصة الأمل بالحاكم الجديد عصام هزيمة، إذ يرسم مع لجنة خاصة عدة إجراءات لضبط السعر.
في هذه الأثناء يعتقد أصحاب الشأن الاقتصادي في سوريا أن الرهان على ضبط سعر الصرف والتحكم به عبر الحوالات وإجراءات الصرافة على رغم ما لاقته الليرة من تحسن لا يكفي إذا ما اتجهت البلاد إلى إجراءات إضافية هامة واستراتيجية.
الودائع المصرفية وقدرة الاستمرار
من جهتها تشير مديرية الأبحاث الاقتصادية والإحصاءات العامة والتخطيط في البنك المركزي عن تراجع حصة الودائع لدى المصارف العامة من إجمالي ودائع القطاع المصرفي إلى 64 في المئة في عام 2020 مقارنة بـ 68 في المئة عام 2019 وفق تقرير لها نشر في 20 أبريل الجاري.
وفي المقابل ارتفعت حصة المصارف الخاصة من إجمالي الودائع لتصبح 22 في المئة مقارنة بـ 20 في المئة وحصة المصارف الإسلامية بلغت 13 في المئة مقارنة بـ 12 في المئة.
ويرجح الباحث في الشأن الاقتصادي، رافي عبد الدائم أن التطور الأخير في هبوط الدولار والذهب، الذي بلغ سعر الغرام الواحد 150 ألف ليرة، وقبل شهر وصل إلى حدود 220 ألف ليرة يعود إلى أسباب سياسية واقتصادية، ولعل أبرزها “أن البلاد على أعتاب انتخابات رئاسية، ولعل دمشق أرادت أن تصد كل محاولات ضرب العملة والاقتصاد بإجراءات استثنائية ووقائية”.
وأضاف في حديثه لـ “اندبندنت عربية”، “يمكن القول كل ذلك مفيد بالطبع بالنسبة لليرة لكن الرهان اليوم على الحوالات الواصلة من الشركات التجارية، أو حوالات المغتربين التي لا تكفي لاستمرار التحسن”.
ويتابع عبد الدائم قائلاً “لا محال من أن هذا الارتفاع في أسهم العملة قد يستدعي انهياراً وربما يكون سريعاً في المدى المنظور بعد توقف تدفق الحوالات من المغتربين والتي من المتوقع أن تبلغ ذروتها في رمضان وأيام العيد، وبعد انقضاء هذه الفترة يمكن على الأرجح انخفاض تدفق العملة الأجنبية”.
ويرى أنه من الأجدر أن تنبثق خطط اقتصادية واضحة المعالم وثابتة تعتمد على دوران عجلة الصناعة والتجارة الخارجية، والأهم رسم الاستقرار السياسي والأمني الذي يحافظ على ديمومة الاستثمارات واستقطابها لأسواق تتعطش للاستثمار الأجنبي، والحاجة للتصدير.
بريق الذهب الخافت
وفي السياق نفسه، أخذ المعدن النفيس يتراجع إلى مستويات متدنية بعد أن قفز إلى حدود غير مسبوقة، ولفت مسؤول في جمعية الصاغة في دمشق النظر بشأن الركود في البيع والشراء الذي تعيشه الأسواق، ولعل غالبية المشترين يترقبون هبوطاً أو حلحلة أكثر من شأنها خفض قيمة الذهب مجدداً.
بالمقابل تترقب الأوساط التجارية عودة هبوط الليرة، إلا أن أحد الصاغة تحدث عن زيادة في طلب جديد لليرة الذهبية وسعرها بحسب نشرة البنك المركزي 1315000 ليرة (عيار 21) قيراطاً.
كل ذلك يحدث وسط عزوف عن الشراء إثر ضائقة مالية تحيط بالسوريين، ومن دون تعافٍ للأسواق التي ما زالت تشهد ارتفاعاً واسعاً بأسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية، حيث لا يلتفت الشارع السوري اليوم إلى الأسواق الكمالية أو الرفاهية كما كان عليه قبل الحرب.