لم تنجح القوى الخارجية في تفكيك الألغام السياسية المعقدة والمزروعة أمام طريق تأليف الحكومة العتيدة، فحسابات البيدر الفرنسي تختلف كليا عن حسابات الحقل العوني، فما يهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل اليوم الحصاد الرئاسي في العام 2022 ،والباقي تفاصيل صغيرة لا تستدعي التوقف عندها بالنسبة إليه، فيكفي أن يسمع باسيل عدم ممانعة أوروبية وخليجية لوصوله الى رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لتسحب الكمائن التي وضعت أمام الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري.
الامور ليست بهذه السهولة، تقول مصادر معنية بالحراك الدبلوماسي لـ “لبنان24“. فالدول المؤثرة لا تعير اهتماما للنائب باسيل، ومرد ذلك أنه يلعب في الداخل على التناقضات بين القوى السياسية والمراجع الروحية، كما أنه أيضا يلعب على التناقضات في الخارج، فمواقفه في موسكو في الساعات المقبلة سوف تكون منسجمة مع السياسة الروسية في المنطقة لا سيما في ما يتصل بالملف السوري وقضية النازحين والوضع المسيحي في الشرق، على عكس استقباله لوزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو بهدف فك حصار الاتحاد الأوروبي عليه وتجنب كأس العقوبات الاوروبية مستفيدا من اليمين المتطرف.
وليس بعيدا، فإن رسائل عدة حملتها اطلالته يوم السبت وهدفت إلى إحراج حزب الله في ملف الحدود البحرية وطمأنة واشنطن في مسألة الترسيم مقابل رفع العقوبات الاميركية التي يقول المقربون منه إنها هدفت إلى اغتياله سياسيا، ربطا بعدم ممانعته الاستعانة بشركة أميركية التنقيب. كل ذلك يأتي عطفا على مواقفه الداعمة لإيران في محطات عدة، مقابل قوله في اطلالات تلفزيونية إن لا خلاف ايديولوجيا مع إسرائيل، فضلا عن استحضاره ملف النازحين السورين كلما استدعت حساباته وهذا الأمر تدرك خلفياته القيادة السورية.
يقول حزب الله إنه أدى قسطه للعلى في محاولات دؤوبة قام بها لاقناع الرئيس عون بتسهيل التشكيل اقتناعا منه أن التأخير ليس في مصلحتهما، بيد أن رئيس الجمهورية بقي على موقفه، ولم يعد بيد حزب الله حيلة سوى فك التحالف معه، وهذا الأمر غير مطروح وخارج أي نقاش. ومع ذلك يظن حزب الله أن التصعيد الخليجي ضد لبنان المعطوف على القرار السعودي بمنع استيراد الفواكه والخضروات اللبنانية يحمل في طياته مزيدا من الحصار الخليجي والغربي على لبنان، الأمر الذي قد يعقد المشهد أكثر ويفاقم الأزمة وينعكس سلبا عليه قبل سواه، بيد أنه لا يزال يكابر ويتمسك بحليفه الباسيلي ولو على حساب اللبنانيين بمختلف بيئاتهم وانتمائتهم، وهناك من يعتقد في هذا السياق، أن باسيل يحظى بتأييد حزب الله لرئاسة الجمهورية، بمعزل عن أن الحزب يكتفي عند سؤاله عن الموضوع بالقول “بعد بكير ، والله يطول بعمر الجنرال“.
إن الكلمة الفصل في الملف الرئاسي ليست فقط للداخل اللبناني، إنما للقوى المؤثرة في لبنان من سوريا إلى السعودية وإيران والولايات المتحدة، فانتخاب الرئيس عون جاء نتيجة تأييد ودعم من الرئاسة السورية وتفاهم أميركي- إيراني انتهى بإقناع واشنطن للرياض بعدم معارضة التسوية الرئاسية.
اليوم المشهد مختلف. ووفق المعلومات، لا تبدي سوريا تأييدا لوصول باسيل إلى الرئاسة لاعتبارات عدة تتصل بعدم الثقة بسياسته ومواقفه التي تعبر عن اللحظة وليست استراتيجية ثابتة. وهنا صلب المشكلة بين سوريا وحزب الله في حال صحت المعلومات أن حارة حريك وإيران تدعمان نائب البترون دون سواه لرئاسة الجمهورية ،علما أن الحزب يعي جيدا أن تحالف باسيل معه هو مرحلي، ويختلف عن فريق 8 اذار الذي يعتبر نفسه في صلب المقاومة.
لقد خرجت سوريا عسكريا من لبنان في 26 نيسان 2005، لكنها لم تخرج سياسيا. أوكلت دورها إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في السنوات الماضية في الكثير من الملفات والاستحقاقات، ودفعت بوصول الكثير من الشخصيات إلى البرلمان، لكن الرئيس السوري بشار الأسد الواثق من فوزه في الانتخابات الرئاسية في أيار المقبل، لن يترك الساحة اللبنانية تضيع من يده، و سوف يوازن في علاقاته الاقليمية والخليجية في المستقبل القريب بتأييد ودعم روسي.
إن تمايز عدد من النواب المحسوبين على فريق 8 آذار عن حزب الله في الموقف من العهد وباسيل، ليس مستغربا، إذ أن المشهد يذكر بمرحلة سبقت العام 2005 عندما كان هناك حلفاء لسوريا في لبنان وحلفاء لحزب الله، وربما سيعود هذا المشهد إلى الواجهة مجددا، يقول مصدر سياسي بارز، مضيفا من مصلحة الخليج الذي أعادت بعض دوله على غرار الإمارات إحياء علاقاتها في المجالات السياسية والدبلوماسية والصحية مع النظام السوري، التعاون مع الرئيس الأسد في لبنان للحد من النفوذ الإيراني، وأن هذا الأمر سوف يحظى بدعم روسي وأميركي وأوروبي، ومن شأنه أن يعيد أواصر علاقات لبنان مع السعودية والخليج والمجتمع الدولي إلى سابق عهدها ويساعد لبنان في حل أزماته الاقتصادية والمالية. علما أن موسكو تواصل مساعيها لمعالجة الوضع السوري والدفع بعملية إعادة الاعمار بأسرع وقت، عطفا على أنها تعمل على خلق تفاهمات جديدة في الاقليم تصب في مصلحة دمشق. فهذه التفاهمات لو تمت فإن المنطقة سوف تكون أمام مشهد مختلف سوف ينعكس إيجابا على لبنان.
والى ذلك الحين سيبقى لبنان في مهب التجاذبات السياسية وانشغال القوى السياسية باستجداء المواعيد من الدول المؤثرة لاطلاعها على ما يمر به لبنان من أزمات ، من المؤكد أن موفديها يعرفونها جيدا ويدركون أقصر الطرق لحلها ووضعوا أمام الطبقة الحاكمة طريق الانقاذ المتصل بالاصلاحات في القطاعات كافة التي يفترض تطبيقها، تأليف حكومة لا تزال في مرمى العنتريات الكاذبة.