من الواضح ان الانقسام في لبنان تجاوز مفهوم 14 و8 آذار وبات مرتبطاً بقضايا اكثر عُمقاً في النظام اللبناني حيث اختلطت بعض الخصومات ببعض التحالفات. وفي ظلّ هذا الصراع القائم بالتوازي مع الانهيار والمكمّل له ينسحب الحزب “التقدمي الاشتراكي” تدريجياً من كل المعادلات.
على الرغم من أن الاشتباك السياسي يتظهّر محصوراً بين تيارَي “المستقبل” و”الوطني الحر” الا انه في الواقع انقسام جدّي بين كُتلتين، كتلة متمسكة بالنظام الحالي وهي تضمّ التيارات التقليدية، كالمستقبل وحركة امل وأخرى تضمّ التيار “الوطني الحر” بالاضافة الى “حزب الله” الذي لم ينخرط في الصراع الى حدّ بعيد الى جانب “التيار البرتقالي” بسبب تحالفه العميق مع “حركة امل”.
ومع أن الحزب “التقدمي الاشتراكي” أظهر منذ بداية الأزمة الحالية وقوفه الحاسم والصلب الى جانب حليفه الرئيس نبيه برّي ودعمه لتيار المستقبل، غير أنه تراجع تدريجياً عن هذا الاصطفاف ليتموضع في موقع وسطي مُحايد في ظل المعارك الملتهبة بين كافة الأطراف السياسية.
يبدو أن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” يتوجّس خطراً ما من جرّاء الأزمة الاقتصادية الراهنة التي باتت تؤرقه، اذ انها تطال الدروز بشكل كبير تماما كما تؤثر على باقي المجتمع اللبناني، إذ انه يخشى من أن يصبح غير قادر على خدمة بيئته الحاضنة ومساعدتها ويحسب لذلك حسابات خاصة، حيث انه اذا ما ارتفعت وتيرة الانهيار بفعل الانقسام الحاصل فإنه سيصبح عاجزاً عن مساندة بيئته التي قد تشهد في هذه الحالة انشقاقات واسعة باتجاه القوى المدنية المعارضة للاحزاب.
كما أن ثمة هواجس تراود رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، تتعلق بتأجّج الفتنة السنية- الشيعية او اشتعال المشاحنات مع المسيحيين لذلك فهو يعمل على تهدئة الساحة قدر الإمكان، وبما أن التيار الوطني الحر لا يزال الممثل الأساسي للمسيحيين في الشوف وعاليه، فإن جنبلاط لا يبدو راغباً بالتورّط في الانقسامات الداخلية بل يسعى الى ضبطها وإيجاد تخريجة ملائمة للمرحلة سواء في السياسة أو الإعلام الأمر الذي بدا جليّاً في الأيام الماضية.
لكن هذا ليس كل ما في الأمر، إذ ان الحزب “التقدمي الاشتراكي” يقرأ بتمعّن ما يحدث من تطورات في المنطقة، لذلك فإنه آثر الوقوف بعيدا بانتظار وضوح المشهد الاقليمي في ظلّ الحديث عن التفاهم الايراني – الاميركي، قبل أن يأخذ موقفاً حاسماً من القضايا المطروحة، ولعلّ هذه الاسباب مجتمعة تبدو كافية لتفسير اعتكاف جنبلاط عن الخوض في “المعمعة” الداخلية وتجنّبه الدخول في معارك “كسر عضم” مع باقي القوى السياسية قبل ورود اشارات دولية واضحة تحدد خارطة الطريق في المرحلة المقبلة.
المصدر: لبنان 24