كتب العميد الركن نزار عبد القادر في “اللواء”:
لم يعد هناك أدنى شك بعد انكشاف عملية تهريب الحبوب المخدرة «كابتغون» عن طريق الرمّان المرسل إلى المملكة العربية السعودية مع شهادة منشأ لبنانية، بأن لبنان يتعرض لعملية تدمير ممنهجة وشاملة. ولم يعد الأمر يختصر بتحميل حزب الله ومعه سوريا مسألة الاعتداء على السيادة الوطنية، متخذين من قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ذريعة لاحتفاظ حزب الله بسلاحه، وتشريع مقاومته للاحتلال، مع استمرار امساكه بقرار السلم والحرب، والذي يُشكّل حقاً حصرياً من حقوق الدولة الشرعية في لبنان.
في رأينا من حق المملكة العربية السعودية ان تتخذ الإجراءات بمنع وصول المنتوجات الزراعية اللبنانية إلى اسواقها أو عبورها أراضيها باتجاه أسواق خليجية أخرى، وذلك في ظل تراخي السلطات اللبنانية في قمع عمليات تهريب المخدرات من لبنان باتجاه المملكة والتي بلغت حدوداً خطيرة على أمن الشعب السعودي، وفق ما بلغته خلال السنوات الست الماضية، وفق ما صرّح به سفير المملكة في لبنان وليد بخاري.
على اثر اتخاذ المملكة لقرارها ودخوله مرحلة التنفيذ أطلق رؤساء الحكومة السابقين صرختهم بضرورة قيام الدولة بمعالجات فاعلة لمنع تهريب المخدرات حيث اعتبروا بأن هناك «سياسة متعمدة تهدف إلى تهديم هياكل الدولة اللبنانية لصالح اجندات ومشاريع أصبحت لا تخفى على أحد». وأضافوا بأنه «لم يعد يمكن السكوت عن التمادي في الإمساك بخناق الوطن». نعم يمكن اعتبار ما حصل من خلال عملية تهريب الحبوب المخدرة عبر منتجات زراعية صدّرت من لبنان بمثابة الإمساك بخناق الوطن، حيث ان اضرار هذا العمل لن تقتصر على انتهاك حقوق الدولة في السيادة وفرض هيبة القانون بل تتعدّى ذلك للاضرار بلقمة عيش شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يعملون في قطاع الزراعة، بالإضافة إلى انها قد تُهدّد وقف كل الصادرات اللبنانية باتجاه دول الخليج، وتؤدي بالتالي إلى عملية حصار خليجية ضد لبنان.
اللافت والمؤسف في الأمر الخفة التي تعاملت فيها السلطة اللبنانية مع القرار السعودي بمنع دخول الخضار والفاكهة اللبنانية إلى أراضيها وذلك عبر ما صدر عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، الذي انعقد أوّل أمس، حيث اكتفى باصدار بيان انشائي، تركز على نقطة تقنية تتعلق بعدم توافر أجهزة كشف «سكانر» في المرفأ وعلى جميع النقاط الحدودية التي تشكّل المعابر الشرعية بين لبنان وسوريا، ولقد وعد المجلس كعادته في مواجهة الجرائم الكبرى التي ترتكب في لبنان كتفجير المرفأ في 4 آب باجراء التحقيقات اللازمة لكشف المجرمين والمتواطئين والمقصرين وإنزال أقسى العقوبات بحقهم.
نسي المجتمعون، على ما يبدو بأنه قد انقضى تسعة أشهر تقريباً على انفجار المرفأ، ولم يتمكن المحقق العدلي من كشف هوية صاحب نيترات الامونيوم، ولماذا جرى خزنها في العنبر رقم 12 لمدة تقارب سبع سنوات. وتطرح نتائج التحقيق في جريمة المرفأ، السؤال حول مدى جدية وقدرة القضاء اللبناني في كشف المسؤولين الحقيقيين في تهريب المخدرات إلى السعودية والدول الخليجية الاخرى، نحن نشكك في حسن نوايا المسؤولين عن صياغة البيان الذي صدر عن مجلس الدفاع الأعلى، وذلك على خلفية ان هذا البيان لم يكشف عن توقيفات فورية لجميع الأشخاص الذين شاركوا في نقل صناديق الرمان، ووضبوها في حاويات مبرّدة، أو أولئك الذين طلبوا وعملوا على الحصول على اذونات التصدير، وأخذ موافقة غرفة التجارة والصناعة وكل من دوائر وزارتي الاقتصاد والزراعة. هل هم اشباح، جاؤوا من كوكب آخر، وعادوا ادراجهم قبل انكشاف جريمتهم؟
من الواضح في ما ورد في بيان المجلس الأعلى للدفاع بان المسؤولين في الدولة يعتبرون بأن مسؤوليتهم لا تتعدّى حدود عمليات الكشف على البضائع المصدرة إلى الخارج للتأكد من خلوها من المخدرات والمواد الممنوعة الأخرى، حيث فاتهم طرح السؤال البديهي عن مصدر هذه المخدرات؟ ومن هم صانعوها؟ ومن هم المستفيدين من تهريبها؟ واين هي المصانع العديدة المتواجدة في البقاع الشمالي أو في القلمون ومنطقة القصير السوريتين؟
لم يتطرق أي من المجتمعين في إطار المجلس الأعلى للدفاع إلى هذه الأسئلة المهمة والتي يتحدد من خلال البحث والاجابة عليها هوية الصانعين والمنفذين الحقيقيين لعملية التهريب، بالإضافة إلى المستفيدين من المال الحرام الذي سينتج عن التهريب.
في رأينا يبدو بأن جميع الذين اجتمعوا أوّل أمس في الجلسة المخصصة لبحث نتائج القرار السعودي، يُدركون جيداً هوية الجهات التي تحمي مصانع «الكابتغون»، كما يعرفون تمام المعرفة هوية الجهات التي تدير عمليات التهريب باتجاه دول الخليج، والتي تعتبرها من عمليات «المقاومة المشروعة» ضد آل سعود وبقية العائلات الحاكمة في الدول الخليجية.
فات الرئيس عون ومدعووه لحضور جلسة المجلس أوّل أمس عمق وخطورة المعضلة المطروحة من خلال عمليات التهريب للمخدرات المتكررة والمستمرة باتجاه المملكة العربية السعودية، حيث تُشير لائحة المضبوطات إلى جانب صفقة الرمان البالغة 5.383.400 حبة كابتغون حصول عمليات في صفقات أخرى نفذت خلال عام 2020، فبلغت المضبوطات في صفقة عنب 20.190.500 وصفقة أخرى 5.580.000 وفي صفقة تفاح 4.335.000 وفي صفقة بطاطا 6.480.000، إضافة إلى شحنة عنب ثالثة 15.216.000. كما فاتهم إدراك خطر التأييد الذي صدر عن الدول الخليجية الأخرى للقرار السعودي بمنع دخول الخضار والفاكهة اللبنانية، والذي يُشكّل مؤشراً على إمكانية اعتماد بعض هذه الدول قرار المنع هذا، مع كل ما يحمل ذلك من مخاطر على المزارعين اللبنانيين، وعلى كل الاقتصاد اللبناني في ظل حاجته الملحة لضخ كميات جديدة من العملات الصعبة، والتي يمكن ان تحد من الانهيار المتسارع لسعر صرف الليرة اللبنانية.
يبدو أيضاً انه قد فات الرئيس عون ورئيس الحكومة المستقيل، ومعه الوزراء الذين حضروا ان يتساءلوا عن فحوى الرسالة السياسية التي ارادت المملكة توجيهها إلى لبنان والعهد، والتي حملها السفير السعودي لتصريحه الذي صدر بالتزامن مع انعقاد المجلس الأعلى للدفاع والذي اعتبر فيه ان «أمن المملكة هو خط أحمر لا يقبل المساس به».. وأضاف بأن كميات «المخدرات المهربة من لبنان كافية لاغراق العالم العربي بالمخدرات والمؤثرات العقلية». واعتبر أيضاً بأن تهريب المخدرات لا يستهدف المملكة فقط، وإنما كل ارجاء الوطن العربي، وذلك في إشارة إلى إمكانية تحريض الدول العربية على مقاطعة لبنان على غرار ما فعلته، إذا لم تتحرك السلطات اللبنانية بصورة فاعلة لقطع دابر تهريب المخدرات وشبكاتها، والتي يتهم حزب الله بتوفير الملاذ الآمن لأصحابها بالإضافة إلى اتهامه بإدارة الجزء الأكبر منها، لجني الأموال اللازمة لتمويل حروبه في أكثر من مسرح عمليات عربي.
من المعلوم من قبل العهد وكل الطبقة السياسية في لبنان بأن موقف المملكة المتشدد ضد الخيارات التي يعتمدها لبنان منذ عقد التسوية الرئاسية وحملت الرئيس عون إلى بعبدا، وغطت بالتالي استمرار تنامي دور حزب الله كقوة عسكرية وسياسية، واعلامية تستهدف أمن الدول الخليجية بالإضافة إلى سوريا والعراق ولبنان، قد دخل الآن مرحلة حاسمة في ظل استمرار عون وتياره في تأمين الغطاء لعمليات حزب الله ضد المملكة ودول خليجية أخرى سواء عبر اليمن او العراق أو مباشرة من لبنان من خلال غض النظر أو تسهيل عمليات تهريب المخدرات.
في الخلاصة يقف لبنان الآن على مفترق خطر: اما ان يتعامل مع أمن المملكة على انه «خط أحمر»، فيبادر إلى مصارحة حزب الله من قبل رئيس الجمهورية ورئيس التيار بضرورة وقف التهريب للمخدرات، واثبات جديته من خلال السماح للجيش اللبناني بشن حملة لاقفال جميع معامل المخدرات في البقاع الشمالي واينما وجدت على الأرض الخاضعة لوصاية الحزب، واتلاف حقول الحشيشة المزدهرة في البقاع الشمالي، واما ان يستمر العهد في إصدار بياناته الانشائية، ويستمر التهريب باتجاه السعودية والدول الخليجية الأخرى وان على لبنان في هذه الحالة انتظار توسيع الضغوط السعودية عليه من خلال دعوة الدول العربية إلى عزل لبنان سياسياً واقتصادياً.
في النهاية تتحدث المعلومات عن وجود 60 معمل «كابتغون» في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله ولا يمكنه نكران مسؤوليته عنها، وعن تصريفه لانتاجها تحت حمايته إذا لم يمكن بتخطيط مباشر من قبل كادراته. وفي هذه الحالة لا يمكن للعهد وللاجهزة اللبنانية الاستمرار في تجاهل مسؤوليتهم عن عمليات تهريب المخدرات، والاختباء وراء الدعوة لانتظار نتائج التحقيقات التي يجريها القضاء لتحديد هوية المهربين والاقتصاص منهم. في الوقت الذي يعمل فيه الجميع بأن هذه النتائج قد لا تأتي أبداً.
لن يكون من باب التجني على العهد وتياره السياسي إذا سألناهما عن دورهما ومسؤوليتهما في عملية التدمير الممنهج والمستمر للبنان، والتي باتت تُهدّد بعزله سياسياً واقتصادياً عن العالم العربي، ليلتحق نهائياً بمحور «المقاومة والممانعة»، وبالتالي التوجه في خياراته نحو «الشرق» وفق ما دعا إليه السيّد حسن نصر الله في إحدى اطلالاته الإعلامية مؤخراً، على ان تترافق رحلته الجديدة مع انشودة «ضرب الحبيب زبيب وحجارتو رمان».
المصدر : اللواء – العميد الركن نزار عبد القادر