انقسمت الآراء حول تداول العملات الأكثر شعبية في العالم في بداية العام الحالي، فقد اتخذت “وول ستريت” موقفين متعارضين بشأن مصير الدولار في التعافي العالمي من الوباء.
ويرى كلٌّ من “جيه بي مورغان أسيت مانجمنت”، و”تي روو برايس”، أنَّ الدولار سيضعف مع تضاؤل الحالة الاستثنائية الاقتصادية للولايات المتحدة، في حين تتوقَّع “باين بريدج إنفيستمنتز” أنَّه سيصبح أقوى.
وشهدت العملات من اليورو إلى الريال البرازيلي – التي عانت في الربع الأول – ارتفاعاً هذا الشهر تاركة العملة الأمريكية عند مفترق طرق فني مراقب عن كثب.
وقال إيان سامسون، مدير صندوق متعدد الأصول في “فيديلتي إنترناشيونال”، في هونغ كونغ، الذي يشتري العملة مقابل اليورو: “لدينا حالة تميز لقصة تفوُّق أسعار الفائدة الأمريكية، التي يقابلها الارتفاع الدوري العالمي، والتقييمات الباهظة للدولار. ونرى توجهات متقاطعة كبيرة ترسل الدولار في اتجاهات مختلفة”.
احتمالية الهبوط
في الوقت الذي طالب فيه معظم الناس في “وول ستريت” بدولار أضعف في يناير، استمرت عملة الاحتياطي العالمية في مسارٍ ترك صناديق المضاربة تتدافع لتغطية 30 مليار دولار من صافي صفقات البيع مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة والتوقُّعات برفع أسعار الفائدة.
وتعرَّض هذا التداول لتوترات خلال هذا الشهر، فقد انخفض مؤشر بلومبرغ للدولار بنسبة 2.3%، في اختراق للاتجاه الصاعد الساري من الربع الأول، الذي من شأنه أن يمهِّد الطريق إلى مزيد من الاتجاه الهابط.
ويمكن لتقييم السياسة الذي يقيمه الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، الذي صمد أمام التوقُّعات المتفائلة، أن يعطي ثقلاً للمضاربين على الهبوط. كما نجد في قلب توقُّعات الدولار توقُّعات بتطور التعافي في أكبر اقتصاد في العالم.
حافة الولايات المتحدة
في الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى التحرر من الآثار الاقتصادية المؤذية لقيود فيروس كورونا، قامت الولايات المتحدة بتلقيح عدد من المواطنين أكثر من أيِّ دولة أخرى، مما يمنحها ميزة في السباق لإعادة الانفتاح.
وتشجِّع الحوافز المالية لإدارة بايدن التي تقدَّر بمليارات الدولارات، مع سماح بنك الاحتياطي الفيدرالي للتضخم بالصعود، أمثال “باين بريدج إنفيستمنت” على توقُّع المزيد من مكاسب الدولار.
وقال عمر سليم، مدير المحفظة الاستثمارية في “باين بريدج” في سنغافورة: “إنَّ عوائد سندات الخزانة قد تشهد ارتفاعاً آخر بمجرد أن نرى عودة التضخم، وستدعم علاواتها مقارنة بنظرائها الدولار. نحن نرى أنَّ الدولار سيحتفظ بميزته القوية هذا العام”.
وارتفعت عائدات الولايات المتحدة لأجل عشر سنوات بأكثر من 80 نقطة أساس هذا العام إلى 1.77% في مارس، وهو أعلى مستوى منذ ما قبل الوباء. وبرغم أنَّ المؤشر استقر عند 1.58% يوم الإثنين، إلا أنَّه لا يزال أعلى بكثير من أدنى مستوى لهذا العام عند حوالي 0.90%.
وكتب “ثو لان نجوين” محلل العملات في “كومرتس بنك” في مذكرة الأسبوع الماضي: “يمكن للبيانات الأمريكية الإيجابية أن تدفع بسهولة ارتفاع الدولار مرة أخرى. لذا في الوقت الحالي، يجب على المضاربين على صعود الدولار الأمريكي التأكُّد من
ألا يتحمَّسوا كثيراً في وقت مبكِّر جداً”.
اللحاق بالركب
لكن لايقتنع الجميع أنَّ الولايات المتحدة ستستمر في التفوق على أقرانها.
بالنسبة إلى “ثوشكاماهاراج” من “جيه بي مورغان أسيت”، فمن المقرَّر أن تتلاشى استثنائيتها مع لحاق الدول الأخرى بالركب من ناحية إطلاق اللقاح، وإعادة الانفتاح الاقتصادي في النصف الثاني من العام.
وتراقب الخبيرة الاستراتيجية المقيمة في لندن الأسواق المتقدِّمة مثل أوروبا، والمملكة المتحدة، واليابان، وترى أنَّ اليورو يتفوق على الدولار في المدى المتوسط.
وقالت: “نتوقَّع حدوث انتعاش في هذه الاقتصادات يعكس ما نراه في الولايات المتحدة الآن”.
وهناك الكثير من الدلائل على أنَّ هذا الاتجاه يحصل بالفعل.
قالت منظمة الصحة العالمية يوم الثلاثاء، إنَّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تتزايد في جميع المناطق باستثناء أوروبا.
ويطلق الاتحاد الأوروبي العنان لحملة تطعيم جديدة لتغطية النسبة الأكبر من سكانه في غضون بضعة أشهر، بينما على الصعيد الاقتصادي، فاقت بيانات “بي إم آي” (PMI) الأخيرة التوقُّعات.
وارتفع اليورو بحوالي 3% عن أدنى مستوى له في أربعة أشهر في مارس، ليتجاوز المستوى الرئيسي عند 1.20 دولاراً الأسبوع الماضي.
البعض يفضل عملات أخرى
ويفضل بعضهم العملات الأخرى على الدولار. ويرى توماس بولاويك من “تي روو” المزيد من المكاسب للدولار الأسترالي الحساس للمخاطر مع انتعاش الاقتصاد الصيني من الوباء، وارتفاع الطلب على السلع الأساسية.
ويراقب إدوين غوتيريزمن “أبردين ستاندرد إنفيستمنت” فرص تعزيز التعرض للعملات النامية الأكثر خطورة، إذ “يلحق بقية العالم بركب نشر اللقاح”.
ويبرز الريال البرازيلي، والروبية الهندية، والبيزو الكولومبي – الذين تلقوا ضربات مع تفشي فيروس كورونا في تلك البلاد – على رأس الديون السيادية للأسواق الناشئة في لندن.
مبالغة كبيرة
في غضون ذلك، يواصل المضاربون الصاخبون الهبوطَ من الرياح المعاكسة طويلة الأجل للدولار.
كتب المحللون الاستراتيجيون في “غولدمان ساكس غروب”، ومن بينهم زاشباندلفي مذكرة يوم الثلاثاء: “لا نزال نرى منظوراً هيكلياً سلبياً للعملة الأمريكية ما بعد المدى القريب. ولا يزال الدولار مبالغاً فيه إلى حدٍّ كبير”.