تخضع انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان، لظروف داخلية، واخرى دولية واقليمية، وهي لم تكن صناعة محلية، في غالبية العهود، وكانت ولادة الرئىس تتم في الساعات الاخيرة، فينام مرشح او اكثر، على انه صاحب الحظ في الوصول الى القصر الجمهوري، لكن تعاكسه التطورات، وهذا ما حصل في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، اذ كان اسم رئىس «تيار المردة» سليمان فرنجية متقدماً، ونال تأييداً داخلياً من كتل نيابية، ودعم فرنسي من الرئىس فرنسوا هولاند، لكن «حزب الله» وقف الى جانب مرشحه الاول من محور المقاومة، العماد ميشال عون فانتخب رئىساً بعد تسوية مع رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري.
وقبل نهاية كل عهد رئاسي، وفي العامين الاخيرين منه، تبدأ تظهر اشارات حول البحث عن الرئىس الخلف، ويتم التداول باسماء، منها ما هو قديم، ومنها من هو جديد، وان اسماء كثيرة كانت مطروحة للرئاسة، منذ عقود غابت بسبب الوفاة او التقدم في العمر، وكان آخرهم النائب جان عبيد، الذي لم يكن اسمه مرة خارج لائحة المرشحين، وبات الحديث يدور على ثلاثة اسماء يحصر فيها الترشيح من القوى الحزبية المارونية، وهي: جبران باسيل، وسليمان فرنجية وسمير جعجع، على انهم يمثلون بنسب مختلفة داخل الطائفة المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً، بحيث ترى مصادر سياسية، في طرح نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، لتسلم الجيش للسلطة، هو فتح الباب لمعركة رئاسة الجمهورية مبكراً، اذا لم تنجح القوى السياسية على التفاهم لتشكيل حكومة ومنع مؤسسات الدولة من الانهيار، كما اوضح بانه يحاصر الفوضى بالجيش، لان جبران باسيل يرفع شعار، «انا لرئاسة الجمهورية او الفوضى»، كما يقول الفرزللي، الذي يدعو للتصدي لمن يريد الفوضى.
ومع الوضوح الذي عبّر عنه الفرزلي، بمنع حصول الفوضى عبر تسلم الجيش للسلطة، ثم فضح اهداف باسيل، فيكون بذلك وضع نفسه في موقع المعارض لوصول رئىس «التيار الوطني الحر» الى رئاسة الجمهورية، التي ووفق التراتبية السياسية، يجب ان تكون من نصيب فرنجية، الذي كان يعتبره حزب الله مرشحه الطبيعي بعد العماد عون، امينه العام السيد حسن نصرالله، بان «عون عين وفرنجية عين»، وفق المصادر التي ترى بان الفرز السياسي بدأ يظهر حول الانتخابات الرئاسية، وان كان من المبكر الحديث عنها، وهي مرتبطة بعناوين كثيرة، لكن الشخصيات السياسية المارونية، من مواقعها الحزبية فتحتها سواء بدعوة رئيس الجمهورية للاستقالة، او دفعه لها، حيث تلقى تأييدا من قوى حزبية وسياسية في طوائف اسلامية، وهذه اشكالية حصلت مع بعض رؤساء الجمهورية، بدعوتهم الى الاستقالة، لكن لم يفعلوا، واستمروا حتى آخر ثانية من رئاستهم.
وفي هذا الاطار، فان تحالفاً سياسياً شبه قائم، بين كل من الرئىس نبيه بري، والرئيس سعد الحريري، ووليد جنبلاط، وسليمان فرنجية، يدعم وصول رئىس «تيار المردة» الى رئاسة الجمهورية، وهو الذي سماه في الانتخابات السابقة وايده، وحصلت لقاءات معه، لكن وعد السيد نصرالله لعون، هو الذي تقدم. والربط بين موقف الفرزلي بتسلم الجيش والانتخابات الرئاسية، لان القوى المعارضة للعهد، تؤكد ان من يعطل تشكيل الحكومة ويضع العراقيل، هو رئىس الجمهورية مستنداً الى صهره باسيل، وهذا ما انعكس سلباً على انتظام عمل المؤسسات التي بدأت تتحلل، وان ما حصل في القضاء يشير الى ذلك تقول المصادر، التي تكشف بان ربط الحريري اعتذاره من التكليف بتشكيل الحكومة باستقالة الرئىس عون، وكليهما منتخباً من مجلس النواب، يكمل ما قاله الفرزلي، بان يرحل كل من هم في السلطة من رئىس الجمهورية الى مجلس النواب والحكومة، لاعادة تكوين السلطة، فيكون الجيش فيها متسلماً لها في مرحلة انتقالية، بعد ان سدّت طرق الحل الداخلي، الذي تعوّل عليه المبادرات الخارجية، وهو ما لم يحصل، ولا بدّ من ان يتقدم من هم في السلطة استقالاتهم ويولوا الجيش السلطة، وفق قراءة المصادر للموقف الاخير لنائب رئيس مجلس النواب، الذي يكون طبخه مع حلفاء له، واولهم الرئيس بري، الذي لم يكن مؤيداً لوصول العماد عون لرئاسة الجمهورية، وساير حليفه «حزب الله».
والحديث المبكر عن رئاسة الجمهورية وفتح انتخاباتها قد لا تكون الاولوية، فهل تشكيل حكومة يوقف الانهيار، وتنقذ الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، لكن عندما، تقف السلطات ضد بعضها، او تتصارع مع بعضها، ولا يفيق ضمير المسؤولين، امام الجوع والفقر والبطالة والهجرة، والقلق على المستقبل والمصير، والخوف من توتر امني مع فقدان الامان الاجتماعي، فان الحلول، تبدأ، من حوار وطني للانقاذ، وتضامن سياسي، او يطرح البديل، بانقلاب عسكري، او بانتداب خارجي على لبنان، او بطروحات مثل «الفدرالية»، والحياد، وكلها شعارات مستهلكة، ولا بدّ من حل غير موجود في القريب العاجل، مع انكفاء الدول عن المبادرة، عندما ترى النزعات الفردية والمصلحية والمحسوبية، عند من يعتبرون انفسهم رجال دولة، فاذا هم اقل من رجال سلطة، بل مافيا متسلطة على الشعب، الذي هو مصدر السلطات، ولا يستخدم حقه.
ويبقى لبنان غارقاً في ازماته، وينتظر على رصيف الازمات الاقليمية والدولية.