فيما عملية تدمير سمعة لبنان في الخارج على يد المنظومة، تُحقّق نجاحا باهرا، وتُسجّل يوميا فصولا جديدة، يُواصل “أهلُ الحكم”، في الداخل، مسيرةَ تدمير اي أمل باق لدى اللبنانيين، بإمكانية قيام بلدهم من المأزق الذي يتخبط فيه والذي جعل منهم شعبا فقيرا ومسروقا ومريضا، ويُسطّر هؤلاء، على هذا الخط ايضا، “إنجازاتٍ” قلّ نظيرها. فكل اطلالة او موقف يطلقونه، يساهم في وضع مداميك جديدة في الجدار السميك الذي يمنع اي حل سياسي – حكومي، ويكبّر حجم الهوّة التي تباعد بين المعنيّين بالحل والربط، ويصبّ الزيت على نار الخلافات ويُوسّع رقعتَها لتشمل جبهات جديدة، يتم إشعالها تباعا. في القضاء على المبادرات الانقاذية، وفي إسقاط الدولة وهيكلها ونحر شعبها، المنظومةُ بارعةٌ جدا، ومتفوّقة، ويُمكن لها ان تفخر بنفسها!
اللبنانيون كانوا منشغلين اليوم في إحصاء الخسائر السياسية والاقتصادية والتجارية التي يمكن ان تحلّ بهم بعد قرار السعودية وقف استيراد الفاكهة والخضار من لبنان ابتداء من الغد، خاصة اذا ما حذت دول عربية وخليجية اخرى، حذوها، الا ان الطبقة الحاكمة كان اهتمامها في مكان آخر. فرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، احتلّ الشاشة صباحا لساعة ونيف، ليطلق مواقف داعمة للقاضية غادة عون ومُدينة للرئيس المكلف سعد الحريري “الذي لا يريد تأليف الحكومة والخائف من التدقيق الجنائي ومن فتح ملفات الفساد التي من أجلها تتم محاربة القاضية عون”.
رئيس تكتل لبنان القوي الذي لم يأت على ذكر التدبير السعودي، رأى في مؤتمره الصحافي المطوّل أن “لا خلاص إذا لم ينتصر قاضي الإصلاح على قاضي الفساد”، مضيفا: “عم يحاولوا منع القاضية من استكمال تحقيقاتها! شو مخبّا بهالملف؟ من شو الخوف؟ خلّوها تكمل شغلها وثبّتوا انّو ما معها حقّ! مش كل مرّة تضبضبوا الملفات. شو عم يعملوا ليوقّفوا التحقيقات؟ اوّل شي صار في شكوى على غادة عون انّو باستدعائها لأحد المشتبه فيهم قامت بجرم قدح وذمّ عليه، فتم استدعاؤها للتحقيق معها! تخيّلوا هالسابقة، تصير مع كل مدّعي عام بيستدعي حدا بيتحوّل على التحقيق بجرم قدح وذم”! وتابع: “إذا الرئيس المكلّف سعد الحريري لا يريد أن يعتذر ورئيس الجمهورية لن يستقيل طبعاً وإذا مجلس النواب لا يريد سحب التكليف فيبقى هناك حالة واحدة للتفكير فيها وهي استقالة مجلس النواب فيصير تكليفه بلا وجود وهذا يعني انتخابات مبكرة لكن هل الإنتخابات المبكرة تغيّر بالمعادلة”؟ واردف: “عم يخبّوا النصف زائد واحد تبعهم، باتّهامنا بالثلث زائد واحد. ولا مرّة نحنا طرحنا بهالحكومة موضوع التلت زائد واحد؛ كنّا بس عم نسأل مين بيسمّي الوزراء المسيحيين، وهنّي بدّن يسمّوا المسيحيين العدد يلّي بيوصلّهم للنصف زائد واحد. وهنّي مصرّين يخبّروا الدول انّو نحنا والرئيس بدنا التلت. هودي جماعة كذّابين! بيقولوا ما بيقبلوا الاّ حكومة اختصاصيين ومن دون سياسيين! كمان كذّابين! ما حدا عم يشارع على هيدا الموضوع! والكلّ قبلانين فيه! كذّابين لأن رئيس حكومة بلا اختصاص بدّو يترأس حكومة اختصاصيين، ورئيس تيار سياسي بدّو يترأس حكومة ما فيها ولا سياسي!
وعن ملف ترسيم الحدود قال: “رئيس الجمهورية ميشال عون هو أفضل من يُؤتمن على هذه المصلحة الاستراتيجية للبنان وكل من يكتّر من الكلام “بدّو ميّة سنة” ليصل إلى مستوى حفاظه على الحقوق ولرؤيته الاستراتيجيّة البعيدة”.
اما تيار المستقبل فرد بعنف على باسيل قائلا: “نجح جبران باسيل في الحصول على شهادة عالية بدرجة امتياز في تخريب عهد عمه ميشال عون ونزع صفة العهد القوي عنه وتقليده الوشاح الأكبر الاهتراء الوطني. كلما أطل هذا الرجل ليتحدث الى اللبنانيين، يضع مسماراً جديداً في نعش العهد وسيده، ويقدم الدليل تلو الدليل على وجود حالة مستعصية في الحياة السياسية، تتحمل مسؤولية تعطيل البلاد وعمل المؤسسات الدستورية، مستقوية بموقع رئاسة الجمهورية وجهات محلية وخارجية تمنحه القدرة على الاستقواء الى ان تحين ساعة المتغيرات التي لن تأتي. هم جبران باسيل الوحيد، هو المحافظة على مكانته في المعادلة السياسية، حتى ولو اضطرته الظروف الى التضحية بالعهد ورئيسه وسمعته، بل الى التضحية بالاستقرار السياسي والامني والمعيشي وسقوط البلاد في هاوية لا رجوع منها. اطلالته الأخيرة تشبه الى حدٍ بعيد اطلالة القاضية غادة عون خلال غزواتها الأخيرة في عوكر ، وإن كان يحاول ان يقدم مشهداً كاريكاتورياً عن اطلالات الجنرال في نهاية الثمانينات. في مكان ما تحدث جبران كما تحدث سيد بعبدا، عن الكذب في الطرف الآخر، واطلق العنان لانهيارات عصبية تلقي تبعات الانهيار على الدولة بمعظم اجهزتها والقضاء بمعظم اركانه والاعلام بمعظم شاشاته، في ما يعلم هو حق العلم ان المصنع الكبير للانهيار الاقتصادي والمعيشي والسياسي والفساد الذي يتهرب منه، ولن يستطيع، هو هو والتيار الذي استولى عليه وطرد منه رعيلاً كاملاً من الشباب والمؤسسين.
وتابع “الكذب من شيم الكذابين والمتلونين والمطاردين بعقوبات من الداخل والخارج يا جبران. اما رهانك على سحب الرئيس المكلف من معادلة تأليف الحكومة، وقولك ان الامر يتطلب استقالة المجلس النيابي والذهاب الى انتخابات مبكرة ، فهو رهان ابليس على دخول الجنة يا جبران، وربما كانت الطريق الأقصر الى ذلك استقالة رئيس الجمهورية بحيث تستوى القواعد الدستورية حيث يجب ان تستقيم. كلمة اخيرة لجبران باسيل، تعقيباً على قوله بان الرئيس المكلف يسعى للحصول على النصف زائد واحد . ان الرئيس سعد الحريري سيكون رئيساً لمجلس الوزراء بكامل اعضائه وحقائبه وسياساته، ولن يرضى تحت اي ظرف من الظروف ان يكون رئيساً لنصف مجلس وزراء. فاذا كان هناك من يرتضي لنفسه ان يكون رئيساً لتيار سياسي على حساب رئاسته للجمهورية، فان سعد الحريري لن يخوض غمار بعثرة الدولة ومؤسساتها وتحويلها الى كانتونات حزبية … ونقطة على آخر السطر .