كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
يعكس تراجع حركة البلديات الإنمائية في مختلف المدن والقرى البقاعية، تداعيات الأزمة العامة التي يمرّ بها لبنان، والتي دفعت بالمقاولين والمهندسين الى الإنكفاء عن التزام المشاريع، بعدما كانوا يتنافسون على تقديم أفضل الأسعار للفوز بها.
ففي بلدية زحلة، دعت لجنة المناقصات منذ بداية العام الجاري، الى 11 جلسة لتلزيم المشاريع عبر مناقصات عمومية أو إستدراجات عروض، من دون أن يتقدّم لها أي من المقاولين أو المهندسين. بعض هذه الجلسات كانت لإعادة تلزيم مشاريع جرى تلزيمها سابقاً، ولكن مقاوليها تراجعوا عن إلتزامهم بها، بسبب الإرباك الذي خلفه إرتفاع كلفة المواد الأولية وعدم إستقرار أسعارها في سوق الدولار الأسود.
يقول أحد المهندسين الذين حصلوا على إلتزام من بلدية زحلة قبل تدهور سعر الليرة اللبنانية، إنه تقدّم بعرض لتعديل الأسعار مع وصول سعر صرف الدولار الى خمسة آلاف ليرة، إلا أنّه ما إن أنجز الملفّ للمباشرة بالعمل مجدّداً، حتى كان سعر الدولار قد قفز مجدّداً الى ثمانية آلاف ليرة، ليتخطّى الـ 12 الف ليرة اخيراً، وبالتالي لم يعد هناك إمكانية للإستمرار بتنفيذ المشروع، خصوصاً أنّ الدولة لا تسدّد كلفة المشاريع إلا بالليرة اللبنانية، فيما أسعار المواد الأولية كلها تسعّر بالدولار.
هذا الواقع ينسحب أيضاً على مؤسسة مياه البقاع. وبحسب رئيس مجلس الإدارة رزق رزق فإنّ المؤسسة دخلت في دوامة إعادة المناقصات بعدما انكفأ المقاولون عن تقديم العروضات، خصوصاً أنّ أرباحهم من معظم المشاريع المنفّذة تدنّت كلياً أو إختفت نتيجة عدم إستقرار سعر صرف الدولار، علماً أنّ المؤسسة لا تملك رفاهية تأجيل بعض المشاريع التي تعتبر أساسية في تأمين الإكتفاء المائي بمحافظة البقاع عموما.
إذاً، لا مشاريع إنمائية قريبة تنفّذ في مدينة زحلة، باستثناء تلك التي لا يتخطّى حجمها قيمة “الفاتورة” المسموح بها للبلديات ورؤسائها، والتي تستطيع البلدية من خلالها تنفيذ مشاريع صغيرة، تسهم سرعة إنجازها بتخطّي مخاطر تبدّل سعر صرف الدولار، ولكنّها تبقى محكومة بشرط عدم التجزئة.
أما المشاريع التي تتطلّب نفقات أكبر ووقتاً أطول لتنفيذها، فيعيقها بحسب رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب “سير المعاملة” والمدّة التي تستغرقها، في ظلّ واقع مالي غير مستقرّ. فبين تاريخ تحديد المشروع وكلفته التقديرية، وتاريخ إعطاء الأمر بالمباشرة، مهلة زمنية تمتدّ وفقاً لمتطلبات الروتين الإداري لنحو خمسة الى ستة أشهر، تتبدّل خلالها مجمل الأسعار المحدّدة لتنفيذ المشروع، ولا تعود حتى الكلفة التقديرية المحددة منطقية او منصفة للمقاول. هذا بالإضافة الى تقلّص حجم الميزانيات المخصصة للأعمال البلدية. فالبلديات تحدّد عموماً المشاريع التي ترغب بتنفيذها بناء لميزانيتها المنجزة مع بداية كل عام. ولكن إذا نظرنا الى ميزانية بلدية زحلة المقدّرة بنحو 36 مليار ليرة، فهي كانت توازي سابقاً 23 مليون دولار، فيما أصبحت حالياً تقدر بنحو 2 مليون دولار، أي أن البلدية فقدت تلقائياً عشرة اضعاف ميزانيتها من دون تنفيذ أي مشروع.
ومع ذلك لا تزال بلدية زحلة تحاول عقد جلسات إستدراج العروض لمشاريع مقترحة، ودافعها لذلك، كما يشرح زغيب، هو محاولة تحفيز حسّ المغامرة لدى بعض القطاع الخاص برغم الظروف، الى الإصرار على تنفيذ مشاريع تقترن بمستقبل المدينة الإنمائي، ومنها توسيع المنطقة السياحية التي ينظر اليها زغيب كأساس في مستقبل زحلة السياحي.
ولكن قطاع المقاولين في المقابل يتجنّب خوض المغامرات حالياً، واستعادة حماسته لها تبدو مقرونة فقط باستقرار سعر صرف الدولار حتّى ولو على سعر مرتفع. وهذا الإستقرار وِفقاً لزغيب وحده كفيل بإنجاز الإلتزامات الجديدة. فيما الحلّ الآني لتدارك الوقوع بإهمال متراكم سيتطلّب برأيه إطلاق يد البلديات لتنفيذ مشاريع صغيرة من ضمن القوانين المرعية والإمكانيات المتوفرة، مع العمل على إلغاء الرقابة المسبقة بالنسبة للبلديات الكبيرة، والحفاظ على الرقابة اللاحقة. وإلا فإنّ عمل البلديات سيبقى محكوماً بالشلل حتى إنتهاء لبنان من كابوس الأزمة المالية التي غرق فيها.
ألمصدر : نداء الوطن