كتب ميشال نصر في “ليبانون ديبايت”:
على قاعدة “ضربني وبكى سبقني واشتكى” يتعامل كل من رئيسي الجمهورية والمكلّف مع الكنيسة المارونية، من مقرّها البطريركي في بكركي، إلى عاصمتها في الفاتيكان، لتصيب معهم مرّة وتخيب مرات، شاكين معترضين، فيما “قاضي الولاد يكاد يشنق حاله”، في ظل هذا الصدام المحتدم على الجبهات كلها، من التأليف مروراً بالتدقيق، وما تفرّع حوله من ملفات قضائية، وصولاً إلى الترسيم وما يرافقه من تخوين.
لأن الموضوع الحكومي يتخطى الشكليات التي يحكى عنها، لاتصاله بالتوازنات الخارجية وتورط لبنان في المعادلات الدولية وأزماته، مع دخول عهد الرئيس الفرنسي عامه الأخير، يستمر تعطيل التشكيل إلى أن يصبح موضوع التوازن الداخلي والحياد “أمراً مكتوباً”، وفقاً لرؤية الكرسي الرسولي التي اطّلع عليها الرئيس المكلّف، مع فشل الأخير في تحقيق أي خرق، وتعثّر الوساطات على أنواعها، وذلك في الوقت الذي شهدت فيه الساحة الداخلية ثلاثة أحداث رئيسية:
– فاجتماع الشيخ سعد بقيادات الفاتيكان، بشكله ومضمونه وتوقيته اللافتين، آملاً بتحقيق خرق مسيحي، مقدّماً الضمانات ومبرّئاً ساحته من خطيئة تطويق المسيحيين وتحجيم دورهم، والتعدّي على ما تبقى من صلاحياتهم، أثار حفيظة “البرتقاليين” وانزعاجهم، حيث ثمة قناعة لدى صقور “الوطني الحر”، بأن الشيخ سعد ، يعمل على إقامة حلف رباعي جديد يستبق أي انفجار قادم، بعدما وعد “الثنائي الشيعي” باستعداده للذهاب إلى مؤتمر تأسيسي قاعدته المثالثة، على حساب الصلاحيات المسيحية المتبقّية، بحسب ما يروون في مجالسهم، متراجعين عن أن السيد حسن سيعيد لهم صلاحيات الرئاسة الأولى من حساب السنة.
-عشاء الراعي – باسيل السرّي، الذي لم يكن بعيداً عما دار في عاصمة الكثلكة، انتهى من حيث بدأ، إذ لم ينجح أحدهم في إقناع الآخر بوجهة نظره. وتكشف المعطيات، عن مبادرة أطلقتها الرئاسة الأولى تجاه بكركي منذ مدة، قامت على تولّي الصرح مهمة إقناع معراب بتسمية وزيرين مسيحيين “كَفكّ مشكل” وإخراج عملية التشكيل من عنق الزجاجة، إلا أن جواب الحكيم جاء بالرفض، وكذلك سيد بكركي الذي رفض إعطاء أي أسماء بدوره، ما دفع بـ “التيار الوطني الحر” إلى شنّ حملة ضد “القوات اللبنانية” بوصفها طرفاً معرقلاً للتشكيل، ما ردّت عليه الأخيرة بأنها غير مستعدّة لتقديم رأسها مرة جديدة على صحن تحالف الحريري – باسيل على حسابها، أضف إلى ذلك، أن خيارها وقناعتها للحل هي في انتخابات نيابية مبكرة، ذلك أن أي حكومة جديدة ستكون كالمستقيلة، فالمطلوب اتفاق سعد وجبران على المرحلة المقبلة والمعركة الرئاسية القادمة لتسلك المراسيم طريقها للتوقيع.
وتختم المصادر، بأن العونيين حاولوا التذاكي، وغسل يدهم من ذنب التعطيل والإحتكار المسيحي، وهم يدركون جيداً أن “القوات” تعلمت الدرس جيداً، فأسقطت بضربة معلّم خطتهم، التي دفنتها “ميرنا الشالوحي” يوم انقلبت على اتفاق معراب، الفاشل شكلاً ومضموناً، و”أوعى خَيّك” الأفشل كلاماً ولحناً.
– التطوّر “الأمني” البارز مع دخول شعبة المعلومات على خط أحداث عوكر، في رسالة واضحة إلى بعدها الدولي وخطورته، حيث تشير مصادر واسعة الإطلاع، إلى أن أزمة مكتّف هي أبعد من مسألة تحويل أموال، إذ ثمة من يريد ضرب الشركة التي ترتبط في جزء من أعمالها بوزارة الخزانة الأميركية على صعيد المنطقة. ومن هنا الإنزعاج الأميركي، الذي صبّ الزيت على ناره، أن التحرّكات الشعبية جاءت ضمن المربّع الأمني للسفارة في عوكر، وسط صورة غير مقبولة لآلية وشكل تدخل القوى العسكرية والأمنية.
– الإجتماع الأمني في بعبدا، والذي بدا فيه رئيس الجمهورية منزعجاً بشكل واضح من كيفية تعامل قوات مكافحة الشغب والمعلومات مع أنصار “الوطني الحر”، وللمفارقة هنا، في الوقت الذي “هاجم” فيه الرئيس الشعبة، يشاهد اللبنانيون والعرب مساء كل يوم ، مسلسلاً يُظهر كفاءة وقدرة هذا الجهاز. وقد أبرزت التطوّرات الميدانية وجود تخبّط أمني وعودة للصراع على الأجهزة وفيما بينها في ظل غياب التنسيق. فهل للأمر علاقة بمغادرة وزير الداخلية بعبدا برفقة مدير عام قوى الأمن الداخلي سيراً على الأقدام؟ الجواب، بالتاكيد لا. وهنا، ترى أوساط سياسية متابعة، أن ثمة من أوقع جنرال بعبدا في الفخّ مورّطاً “التيار الوطني” بمواجهة جديدة ستنتهي قضائياً إلى البراءة، أما سياسياً ومالياً فإلى كارثة.
إذا كان خيار الضغوط القصوى على فريق “الوطني الحر”، غير مضمون النتائج، إذ درجت العادة كلما “كبست العونية أكتر” كلّما تعنّتوا وتشبّثوا بشروطهم وخياراتهم، رغم علمهم اليقين بأن متغيّراً أساسياً حصل عنوانه “ممنوع تنازل سعد الحريري” لأسباب داخلية وخارجية، فزمن تجرّع بيت الوسط لكؤوس السمّ ولّى إلى غير رجعة، بعدما” شبع وانفلق” تنازلات” كل ما دقّ الكوز بالجرّة”.
التكرار بِعلّم الشطّار، فإذا إنت ما تعلمت فـ “القوات” تعلّموا منك ومن “التيار”… هذه حال معراب. أما ميرنا الشالوحي فحالها ليس بأفضل، فإذا “ما متت ما شفت مين مات”… فالأزرق يتعامل على قاعدة “أنا وخيي عا إبن عمي، وأنا وإبن عمي عالغريب”… فمن هو الغريب يا ترى؟ يسأل الشاطر حسن.