شهدت الليرة السورية خلال الأيام الماضية تحسناً ملحوظا في سعر صرفها أمام العملات الأجنبية، إذ وصلت إلى 2950 ليرة للدولار الواحد أمس، الأمر الذي طرح تساؤلات وتحليلات من محللين اقتصاديين حول هذا التحسن الذي طرأ على سعر الصرف بعدما لامس حدود 5 آلاف ليرة قبل أسابيع.
وعزا خبراء اقتصاديون سبب التحسن إلى خطوات قام بها نظام أسد من حملات أمنية وإقالة حاكم المصرف، لخّصوها في سببين رئيسين، مرحجين معظمهم أن هذا الارتفاع مؤقت.
وفي حديث لأورينت نت مع الباحث الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور مخلص الناظر، أرجع أسباب تحسن الليرة السورية إلى خطوات اتخذها المصرف المركزي، قائلاً : إن “المصرف المركزي قام في منهجيته على اعتماد سعر رسمي قريب من أسعار السوق السوداء”.
وأشار الناظر إلى أن المركزي “بهذه الطريقة جمع كميات كبيرة من الليرة السورية الفائضة في السوق، كما تم التحفظ على أرصدة الليرة في البنوك وعدم السماح بسحبها إلاّ في نطاق ضيق”.
كما أكد أن السبب الآخر للتحسن “استفادةُ الليرة من دولار الحوالات القادم من الخارج على خلفية مساعدات رمضان والعيد”، مضيفا أن ضخ المصرف المركزي مبالغ صغيرة للغاية في الأسواق، أحدث أثراً أكبر من كميتها الحقيقية.
وأوضح أن ذلك ترافق على وجه الخصوص “مع رفع سعر المحروقات وعدم انخفاض أسعار السلع الاستهلاكية”، متوقعاً أن تعود الليرة السورية إلى قرابة حاجز الـ ٣٥٠٠ ليرة مقابل الدولار بعد انتهاء العيد.
وكان المصرف المركزي رفع الأسبوع الماضي سعر صرف الحوالات الخارجية إلى 2512 ليرة سورية مقابل كل دولار أمريكي، تزامناً مع قيام بعض شركات التحويل بتسليم الحوالات الواردة من الخارج بسعر ما يعادل 3050 ليرة سورية للدولار الواحد.
وعلى اعتبار أن الحوالات هي المصدر الرئيس للقطع الأجنبي لنظام أسد، فإنه يسعى إلى جذبها عبر مصرفه المركزي ما يحقق له مورداً إضافياً.
وعلى الرغم من كل هذه الخطوات التي عمل عليها المصرف المركزي والتحسن في سعر الليرة السورية، قال الناظر “كل ما سبق لا يعكس تحسناً حقيقياً في قيمة الليرة”.
وكشف الناظر عن هدفين لنظام أسد من التخفيض السريع في سعر الدولار أمام الليرة السورية، الهدف الأول قصير الأمد “من أجل تثبيت الليرة السورية عند حاجز الـ 2900 كخطوة أولى، ومن ثم القيام بإصدار لائحة أسعار استهلاكية جديدة وفق الدولار المنخفض”.
وكل ذلك من أجل تفعيل قانون حماية المستهلك وعقوباته الرادعة الذي تم إصداره مؤخراً بهدف إحداث انخفاض في أسعار السلع الاستهلاكية، وخلق حالة ارتياح لدى المواطن السوري، تتزامن مع الانتخابات الرئاسية المزعومة المقرر عقدها في 26 أيار من العام الجاري، من أجل إيصال رسائل للشعب تقول في مضمونها “إن هناك خيراً قادماً مع هذه الانتخابات وتستشهد بالتحسن الاقتصادي، الذي سيعزز بدوره لدى المواطن فكرة أن يكون هناك أمل في المستقبل”.
والخطوة الثانية التي تمثل الهدف بعيد الأمد، وهي الأهم بحسب الناظر، “توفير العملة الصعبة من جديد للمؤسسات الموجودة تحت سيطرته، من خلال استهداف صغار المدّخرين الذين يخافون من الانخفاض فيقومون ببيع مدخراتهم بسرعة بالسعر المنخفض”، وبالتالي يلجأ النظام إلى جمع الدولار من السوق واستخدامها مرة أخرى بعد رفع السعر بهدف تمويل مستلزمات البلد من وقود وغيره، بالإضافة لمستلزمات الحرب.
وختم الناظر كلامه “حتى السوق السوداء في سوريا محكومة من أجهزة الدولة ولا تتحرك بطريقة مستقلة” وبعض شركات الصرافة متورطة معه في هذه العملية.
وحول ارتباط تحسن سعر الصرف بإقالة حاكم المصرف المركزي السوري حازم قرفول، والذي جاء بقرار مفاجئ مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، نوه “أن حاكم المصرف المركزي في سوريا ليس بصاحب قرار”، وأن ما تم تداوله عن أسباب إقالته وتحميله السبب الجوهري لتدهور الليرة السورية غير صحيح.
ووافق الباحث الاقتصادي خالد تركاوي ما ذهب إليه الناظر في أن رفع سعر الصرف إلى مايقارب سعر السوق السوداء والحولات هما السببان الرئيسان وراء تحسن سعر الليرة خلال الأيام الماضية.
ورأى تركاوي أن النظام استفاد من دولار الحوالات المصرفية القادمة من الخارج على خلفية مساعدات رمضان والعيد، إذ عمد إلى ضخ مبالغ مالية صغيرة للغاية في الأسواق، لكنها أحدثت فرقاً اكبر في كميتها الحقيقية.
ويتوقع تركاوي في تغريدة له عبر حسابه في تويتر أنّ الخطوة التالية للنظام هي جمع كميات من الدولار وتحقيق رغبة السوق بعرض الليرة السورية، وعند هذه النقطة سيبدأ سعر الصرف بالانهيار، ولم يستبعد تركاوي أن تعود الليرة السورية إلى مستوى أعلى من 3200 ليرة لكل دولار ثم مستويات أعلى قد تصل بعد العيد بفترة قصيرة إلى 3500 ليرة لكل دولار أمريكي واحد.
وفي كافة الأوقات كان نظام أسد يتخذ من العقوبات المرتبطة بقانون “قيصر” وغيرها من العقوبات، التي فرضتها الدول الأوروبية عليه وعلى المقربين منه على عدة فترات لتورطهم في جرائم حرب، ذريعة ليبرر فيها انهيار الليرة السورية والأزمة الاقتصادية ونقص الموارد الذي تعاني منه البلاد.