كتب ذو الفقار قبيسي في “اللواء “:
إذا حصل وأصبحت سكة القطار الى حكومة جديدة سالكة وآمنة، الى «سيدر» وصندوق النقد الدولي وباقي الصناديق الأوروبية والعربية، فان المحطة النهائية ستكون ثلاثة سيناريوهات:
١- سيناريو الحد الأقصى: مع انطلاقة صفارة القطار بأثقال دين عام وفوائد متراكمة ومستحقات لـ«الضمان» والمستشفيات والمقاولين والمتعهدين وصغار الدائنين، بحوالي ١٠٠ مليار دولار إذا حصل أن أضيف إليها قرض من صندوق النقد الدولي بـ٧ مليارات دولار، سيكبر الدين العام الى ١٠٧ ملايين دولار اذا اضيف اليها قروض مؤتمر سيدر ١١ مليار دولار، والـ١٠ مليارات دولار القروض التي تطمح الحكومة للحصول عليها – حسب الخطة الحكومية – من الصناديق العربية والدولية، فان مجموع الدين العام سيصبح ١٢٨ مليار دولار.
٢ – سيناريو الحد المتوسط: يفترض أن جزءا من هذا الدين سيكون هبات وجزءا بفوائد ميسرة، وجزءا «يشطب» بقرار دولي في حال أن سياسة لبنان الداخلية والخارجية باتت موضع رضى الدول الشقيقة والصديقة، وبما ينخفض مجموع الدين العام بـ٤ مليارات دولار الى ١٢٤ مليار دولار.
٣- سيناريو الحد الأدنى: كي تحصل الدولة على هذه القروض ستقوم بإصلاحات مؤقتة لا تؤدي عادة الى نتائج إيجابية دائمة. بدليل ان القروض التي حصلت عليها الدولة قبل الآن من المؤتمرات الدولية ومن أموال المودعين لم تؤد الى تحقيق الانماء المطلوب وبقيت البنية التحتية على حالها من التخلف والاهتراء وطارت أموال القروض هباء وواصل الدين العام ارتفاعه وبالفوائد العالية والمهلكة التي باتت تستنزف أكثر من ربع واردات الموازنة. كما انه ليس هناك الآن من دلائل بأن «دولة حليمة لن تعود الى عادتها القديمة». وإذا حصل افتراضا انها بضربة حظ وفي أحسن الاحتمالات استعادت ٢٤ مليار دولار من المال المنهوب والمسلوب فان اجمالي القروض سينخفض عندها من الـ١٢٤ مليار دولار المشار اليها الى ١٠٠ مليار دولار الذي هو حجم الدين العام الآن، في ظل نظام المحاصصات نفسه بما هو عليه الآن من النهب والسلب والهدر والتبذير وسوء التدبير.
٤- والمشكلة الأولى ان القاسم المشترك بين السيناريوهات الثلاثة هو ان هدف الاصلاحات فيها القروض (وليس الانتاج الذي هو السبيل الوحيد لوقف الاقتراض واطفاء القروض) وعلى المنهج نفسه الذي ما زال يتحكم بعقلية الدولة بمؤسساتها وخبرائها ومستشاريها ممن يعملون بعقلية «الأسلوب الأنيس في مخاطبة الرئيس»، وبحلول محض مالية تقتصر على خفض النفقات وصولا الى معدلات «صحية»(؟!) في عجز الموازنات تبقي على «حد مقبول» من الفوائد وتخفض نسبة الدين الى الناتج، بدلا من حلول اقتصادية وانمائية تزيد الناتج بما يطفيء الدين العام ويلغي مسلسل الفوائد التي كانت ويبدو انها ستبقى مصدر الدخل الرئيسي لنظام قائم على «الريع» – و«العمولات» و«السمسرات»!
٥- والمشكلة الثانية وهي الأهم أن أي سيناريوهات، ولو بإصلاحات مؤقتة هدفها سواء الاقتراض أو الانتاج، تحتاج عادة الى حد أدنى من هيكلية دولة Skeleton ونظام مؤسسات باتت تتهاوى في لبنان الواحدة تلو الأخرى كان منها أخيرا مؤسسة القضاء في «هزة انقلابية» أصابت في الصميم امكانية أي حلول سياسية أم اقتصادية. فحيث لا قضاء لا اقتصاد ولا دولة ولا وطن. بل ان القضاء للدولة هو في قول افلاطون كما «الروح للجسم». وفي قول «بركليس»: النهر الكبير الذي تستمد منه صغار الأنهار والينابيع العذوبة أو.. الملوحة!