في نهاية آذار الماضي، جرى التوافق على قرارين ماليّين مُهمّين، الأوّل قضى بإطلاق منصّة إلكترونيّة للصرافة، والثاني قضى بالسماح للمصارف بالتداول بالعملات مثل الصيارفة الشرعيّين، وبتسجيل العمليّات بالسعر الحقيقي على المنصّة، وذلك بهدف لجم الإرتفاع المُستمرّ لسعر صرف الدولار. ومع الشروع في تطبيق هذه الإجراءات، هل سينخفض سعر صرف الدولار، وكم سيدوم هذا الإنخفاض؟.
لا شكّ أنّ الأمور رهن بالكثير من التفاصيل التي لا تزال غير واضحة المعالم بعد، لكنّ الأكيد أنّ وقع إطلاق المنصّة الإلكترونيّة للصرافة إيجابي، علمًا أنّ الخطر يتمثّل في تلاشي وقع الصدمة الإيجابيّة خلال فترة زمنيّة قصيرة، ما لم تتمّ مُواكبة هذه المنصّة بكل ما يلزم من إجراءات ماليّة وسياسيّة. وقد طلب مصرف لبنان من المصارف إنتداب مُمثّلين عنها للمُشاركة في دورات تدريبيّة لإنجاح إنطلاق هذه المنصّة، علمًا أنّه بحسب المَعلومات المُتوفّرة، سيكون على المصارف إدارة عمليّة الصرافة في حساب خاص من خارج موازناتها، وذلك بهدف قطع الطريق نظريًا على أي مُحاولات للتلاعب بالعمليّات الماليّة التجارية. ولن يكون من المسموح أن تستخدم المصارف الشيكات المصرفيّة بالدولار لشراء الدولارات الورقيّة بالسوق، وهي تجارة سائدة في السوق السوداء، حيث يعمد الكثير من التجار وحتى الأشخاص إلى إستبدال الشيكات المصرفيّة بالدولارات الورقيّة، بأسعار مُتدنيّة بلغت أخيرًا 22 % فقط من قيمة الشيك، أي إذا كان الشيك هو بقيمة مئة ألف “لولار”، يحصل البائع على 22 ألف دولار ورقي فقط! ومن المُفترض أن تقوم لجنة الرقابة على المصارف بتحمّل مسؤوليّة مُتابعة حسن سير عمل المنصّة الإلكترونيّة، على أمل أن تتحوّل إلى المرجع الرسمي والأساسي للسعر الحقيقي للدولار.
تذكير أنّه في مرحلة ماضية، حدّد مصرف لبنان شروطًا ليتمكّن المُواطنون من شراء كميّة محدودة من الدولارات من صيارفة الفئة الأولى المُرخّصين على سعر 3900 ليرة لبنانية للدولار، على أن يرفقوا طلبهم بسلسلة من الأوراق والمُستندات، لكن سرعان ما فشلت هذه المُحاولات نتيجة توقّف المصرف المركزي عن مدّ هؤلاء بالدولارات، بسبب عمليّات الإستغلال غير المشروعة التي حصلت. والسؤال الذي يفرض نفسه حاليًا، بحسب خبراء ماليّين هو: من أين ستأتي المصارف بالدولارات التي ستستخدمها في عمليّات البيع والشراء، وهي التي ترفض دفع أي دولار للمودعين من حساباتهم بالعملة الخضراء؟! وهل سيمدّ المصرف المركزي المصارف بالدولارات، ومن أي مصدر أيضًا، وهو الذي يقول إنّ إحتياطه المالي لا يتجاوز حدود الإحتياط الإلزامي لما تبقى من أموال المُودعين؟! أكثر من ذلك، هل سيتضرّر الصيارفة من المنصّة، وهل سيعمل تكتّلهم على ضربها وإفشالها، حفاظًا على أعمالهم وعلى أرباحهم؟! إشارة إلى أنّ سوق التداول اليومي بالدولار لديهم صغير ويُقدّر بما بين 4 و8 ملايين دولار يوميًا، وهذا ما يُفسّر سُهولة إرتفاع سعر الصرف بسرعة أو إنخفاضه بشكل غير واضح الأسباب أيضًا، حيث يستغلّ بعض التُجّار وبعض المُتموّلين عمليّات المُضاربة بسعر الصرف، لتحقيق الأرباح الكبيرة خلال فترة زمنيّة قصيرة.
من جهة أخرى، إنّ من شأن إستمرار التشنّج السياسي في البلاد، مع ما يعنيه هذا الأمر من تعثّر على مُستوى مُحاولات تشكيل الحُكومة، أن يُؤدّي إلى إستمرار الأجواء السلبيّة بالنسبة إلى المُستقبل، لجهة غياب أي خطة إنقاذيّة في المدى المنظور، وغياب أي مُساعدات مالية خارجيّة، وبالتالي إلى مواصلة الضغط على الدولار. كما أنّ إستمرار الحديث عن قرب توقّف الدعم إعتبارًا من أوّل حزيران، يؤثّر بدوره سلبًا على المناخ العام، ولا يخدم مُحاولات خفض سعر صرف الدولار. أكثر من ذلك، إنّ إستمرار التخبّط السياسي مَعطوفًا على التأخير في الوُصول إلى مناعة مُجتمعيّة ضُدّ وباء “كوفيد 19”، أن يحدّ من مجيء المُغتربين اللبنانيّين إلى لبنان في الأشهر المقبلة، ما يعني أيضًا عدم مدّ السوق المالي في لبنان بجرعة أوكسجين ماليّة–إذا جاز التعبير، هو بحاجة ماسة إليها.
في الخُلاصة، إنّ المنصّة الإلكترونيّة ستؤثّر إيجابًا على سعر الصرف، وهي إن جرت إدارتها بشكل ناجح، ستُساهم في خفض سعر صرف الدولار نسبيًا وبشكل تدريجي، لكن هذا الإنخفاض سيكون قصير الأمد جدًا، ما لم تنطلق إجراءات المُعالجة الفعليّة للإنهيار الحاصل في لبنان. وخريطة طريق هذه المُعالجة واضحة، وهي تبدأ بتشكيل حكومة تضع سريعًا خطة إنقاذيّة–إصلاحيّة، وتلجأ فورًا إلى المُجتمع الدَولي للحُصول على قروض ومُساعدات ماليّة عاجلة، وتُباشر بمُكافحة الفساد والتهريب وتسعى إلى إستعادة جزء من الأموال المَنهوبة عبر التدقيق الجنائي، إلخ…