كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
من أقاصي الشمال إلى أقاصي الجنوب مروراً بالجبل، البقاع وبيروت مادة البنزين مفقودة. نحو 3200 محطة مغلقة بمعظمها، والمشرّعة أبوابها لا تعبئ أكثر من 20 ألف ليرة من مادة البنزين، أي ما يعادل 10 ليترات. أصحاب مليون و800 ألف سيارة وآلية تسير على الأراضي اللبنانية مضطرون للوقوف في طوابير خانقة والتسابق على المحطات “الفاتحة”، أو اصطياد اللحظة المناسبة في دوام يقصر ويطول حسب المزاج، لأنه ببساطة: “البنزين المدعوم يهرّب إلى سوريا”، قالها وزير الطاقة ريمون غجر.
بغض النظر عن أن الإعتراف بـ”التهريب” المستمر منذ أكثر من سنة، والذي فاقت قيمته 40 في المئة من مجموع الدعم، في اجتماع برئاسة رئيس الحكومة وممثلين عن مصرف لبنان والقطاعين العام والخاص، هو إهانة للدولة وأجهزتها، فان المجتمعين لم يخلصوا إلى شيء. فلم يُرفع الصوت، ولم يُفضح المهربون، الأكيد انهم معروفون من قبل الحاضرين، ولم تشدد الإجراءات لوقف التهريب، ولم يوقفوا الدعم، الذي “لن يتوقف قبل البطاقة التمويلية”، بحسب ما رشح عن الإجتماع الطاقوي. والنتيجة خروج المجتمعين “تي تي متل ما رحتي متل ما جيتي”، بحسب أحد المعنيين في ملف المحروقات، مضيفاً أن “كبش المحرقة”، سيكون جاهزاً وسيعمدون في الأيام الآتية إلى إيقاف بعض صغار المهربين في السيارت وعلى البغال ويتركون المهربين الكبار، والذين من بينهم أصحاب شركات ومحطات، يتابعون التهريب. ذلك مع العلم أنه “لو بضل على سنة يسرق العصفور، مش قد سرقة ليلة من الواوي والناطور”.
تقدر الكميات المستوردة سنوياً من البنزين والمازوت فقط، بحوالى 6 ملايين طن، وبكلفة تصل إلى حوالى 2 مليار دولار مدعومة بنسبة 90 في المئة من مصرف لبنان. وعليه فان مصرف لبنان يدفع شهرياً 150 مليون دولار من أموال المودعين لاستيراد البنزين والمازوت. وذلك من دون احتساب كلفة استيراد الغاز والفيول لزوم كهرباء لبنان والتي تصل إلى حوالى 1.8 مليار دولار. المضحك المبكي في الموضوع، أن كلفة استيراد النفط لغاية نهاية أيار تساوي بالتمام والكمال كل ما بقي متوفراً من احتياطيات ممكن التصرف بها والمقدرة بـ 300 مليون دولار. وعليه إن لم يماطل مصرف لبنان في فتح الملفات ويؤخر الموافقة على الإعتمادات، فان كلفة استيراد البنزين والمازوت ستمتص كامل المبلغ، ولن يبقى شيء للطحين والدواء والمواد الغذائية. ومع هذا كله، فان القرار بالدعم لم يرفع، أو حتى يرشّد بأقل الإيمان من قبل المسؤولين، بل عمدوا مرة جديدة إلى المماطلة والتسويف والإستمرار في إذلال المواطنين في الطوابير على أبواب بيع السلع المدعومة. وأكثر من ذلك فان بعض الشركات والمحطات تعتكف عن البيع رغم وجود المواد في خزاناتها وذلك لعلمها أو توقعها بقرب رفع الدعم، فتحقق أرباحاً كبيرة بفترة قصيرة. وهذا ما يفاقم المشكلة.
“اللعبة انتهت”، والكل يعرف ذلك، إنما يبدو أن لا أحد لديه الجرأة للإعتراف بالحقيقة. وما يؤخّر إعلانه اليوم وملاقَاته بالحلول العملية والمنطقية، سينفجر في وقت ليس ببعيد في وجه الجميع.