في زمان مضى في طرابلس كانت أسماء من أهل العلم والثقة كشيخ قراء المدينة الراحل محمد صلاح الدين كبارة وأمثال الشيخ عصام الرافعي والشيخ سلمان بارودي والحاج راشد طبال وغيرهم.
جميعهم حضروا في مجتمع المسجد المنصوري الكبير، الممتد حرمه عمليا من باب الرمل حتى باب الحديد، وقد نشط السادة الأجلاء في هذا الحرم المديني والديني فتعاطوا في رمضان شؤون الدين والدنيا، مثلا الحاج الطبال حوّل محله في محلة “الدفتر دار” إلى خلية عمل خير، فالتجأ إليه ميسورون من طرابلس وبيروت ومغتربون في الخارج فاودعوه مالا وغذاء قبيل الشهر الكريم ليعود وينفقهم ويزيد عليهم من جيبه وليزدحم دكانه في مشهد جليل راق يستمر حتى خلال ايام العيد .
أما السادة البارودي والرافعي فكانا يتخذان من المسجد بيتا ومنزلا فلا يفارق الشيخ البارودي مقامه ومكانه في القرطاوية إلا بعد الفجر ليعود قبيل صلاة الظهر فيرأس حلقات العلم، ويستضيف القراء بعد كل عصر. ويحضر الشيخ الرافعي منذ صلاة الظهر حتى آذان المغرب فلا يرد سائلا بفتوى أو علم . ولا يسقط من بال احد ولا من عقله الشيخ علي الشلبي الجليل المحب الودود .
وتتحول في مقابل ذلك باحات المنصوري وصالاته إلى ملجأ لا يغادره المئات من الطرابلسيين والشماليين. هذا يقرأ قرآنا وذاك يتلو حديثا أو يستمع إلى درس، وذاك يصلي في الداخل أو عند المشارب وباحة الوضوء، فيصير المنصوري بهم مجتمعا بذاته حتى يضرب المدفع تأكيدا لانتهاء الشهر الكريم ولنا عود إلى ذلك .
كل ذلك فيما تتحول الأسواق حول المسجد إلى خلية نحل لا تهدأ إلا قبيل المغرب فتهدأ قليلا لتعود وتحيا بأهل الليل وهم خاصية رمضان ورواده.
المصدر: لبنان 24