تشهد سوق “اللحوم” أزمة بين الأطراف المعنيين من تجّار ووزارات ومصرف لبنان ولحامين، أدّت إلى أن “تضيع الطاسة”، وتقع أخيراً على رأس المواطن. لا شكّ في أنّ أزمة الدولار تستكمل تداعياتها، بحيث يعاني اللحّامون مشكلة تقع ما بين وزارة الاقتصاد والتجار، وتنعكس على أصحاب الملاحم، وتالياً على أسعار اللحوم غير الثابتة، في ظلّ غياب أي ضبط لاحتكار ال#مواشي المدعومة أولاً، وغياب تنظيم ومراقبة تسليم اللحوم للحّامين بالأسعار المحدَّدة من وزارة الاقتصاد، إلى جانب عدم تسديد مصرف لبنان كلفة فارق الدعم للتجار المستورِدين.
هذه المعمعة تنعكس بالنهاية على المواطن الذي بات يجد في كلّ ملحمة سعراً مختلفاً، وذلك ينسحب على اللحم المدعوم وغير المدعوم و”نصف المدعوم”، وفق تعبير حسين، أحد اللحّامين في بيروت، فـ “نصف المدعوم” يتحكّم بسعر تسليمه مستورِدُ المواشي.
وزارة الاقتصاد غير قادرة، وفق اللحّام حسين، على إلزام التجّار بأن يسلّموا المواشي للحّامين بالسعر المدعوم، الذي سبق أن حدّدته بـ 22 ألفاً لكيلو العجل، ليبيعه اللحام بـ 39000 ألف ليرة لبنانية، والتجار يريدون أن يضمنوا حقّهم، وأن يسدّده لهم مصرف لبنان كلفة فارق الدعم، ويسعى بذلك العديد منهم إلى عدم تسليم المواشي، أو إلى التلاعب بأسعار تسليمها.
ويفيد اللحّام حسين أنّ التاجر يسلّم اللحّام كيلواً من لحم البقر بأسعار متعدّدة تراوح ما بين 32000 و35000 ألف ليرة، دون إصدار فاتورة، أي أشبه بسوق سوداء. وهذا السعر هو سعر “نصف المدعوم”. ووفق قوله، فإنّ أعداد البقر في المزارع هائلة، لكن “لا أحد يسلّمنا المواشي، ونُتَّهم نحن اللحامين بالتلاعب بالأسعار إذا ما اشترينا المواشي غير المدعومة وبعنا اللحم بسعر أغلى من المدعوم، فالناس لا يعرفون ماذا يحدث”. لذلك قرّر اللحام حسين إغلاق ملحمته، عندما لا يتوافر لديه البقر غير المدعوم.
وبرأيه، “على التجار إمّا بيع الأبقار بالسعر المدعوم الثابت ومراقبته، ومراقبة التجار وأسعار تسليمهم للحّامين، وإمّا رفع الدعم نهائياً لتكون جميع أسعار التجار موحَّدة من دون تلاعب، فهم يسرقون الدولة والمواطن تحت عنوان بيع المدعوم، بينما الحقيقة هي غير ذلك، إنّهم يحتكرون سوق اللحوم، ووزارة الاقتصاد غائبة كلياً عن السمع”.
وإزاء هذا الواقع، يشهد سوق اللحوم حالياً تضاؤلاً بكميات اللحم، لا سيّما على أبواب شهر #رمضان، بحيث لا تتوافر جميع الكميات المطلوبة في الملاحم. ووصل كيلو اللحم الغنم إلى نحو 130 ألف ليرة، وأحد ليس قادراً على شرائه، لذلك لم يذبح اللحام حسين الغنم منذ 20 يوماً. أمّا كيلو لحم البقر فوصل إلى نحو 55 ألف ليرة.
من جهته، يشير رئيس نقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي، معروف بكداش، في حديث لـ “النهار” أنّ “النقابة تعمل على معالجة مشكلة تسليم اللحوم واستيرادها وإيفاء المستوردين حقوقهم، بحكمة، لكنّ الوزارات تكذب على بعضها البعض، وعلى التجار، والدولة تكذب علينا ولا تسدّد حق التاجر بالدعم، والتجار يكذبون على بعضهم البعض وعلى الوزارات ويؤجّلون تسليم اللحّامين، وكلّ هذا الواقع هو فوضى عارمة ولا جهة تضبطها”.
ويرفع بكداش الصوت بالقول: “أتحدّى الدولة، إمّا أن تدفع حقوق الدعم للتجّار كاملاً، فهي لم تدفع حتى ربع الدعم، لتحلّ المشكلة الحاصلة بشكل كامل، وإن لم تدفع، فلتوقف الدعم بشكل نهائي، وإزاء هذا الواقع قد نتّخذ قراراً بتوقيف استيراد المواشي، فإمّا أن تسدّد الدولة حقوق التجار بالدعم، إمّا سنتوقّف عن استيراد المواشي”، مضيفاً: “على المواطن أن يعرف الحقيقة، فمن المعيب اتهام التجار بالسرقة، والكلام الدائر عن أنّهم يحتكرون المواشي في المزارع غير صحيح، فهناك تجار بالأسماء والفواتير لم يتقاضوا حتى الآن ثمن 30 باخرة مواشي مدفوع ثمنها”.
وأشار بكداش في كتاب إلى وزير الزراعة عباس مرتضى والمدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد أبو حيدر، بعد اجتماعه مع مستوردي المواشي الحية المنتسبين للنقابة، أنّنا “نحن نعلم وأنتم تعلمون أنّ هناك تجاراً مخالفون، ومنهم تجار جدد دخلوا على المهنة حديثا وأخذوا إذناً بالاستيراد، ومن ثم أخذوا الدعم المالي. النقابة ليست مسؤولة عنهم وأنتم السلطة المسؤولة، وكي لا تشمل الجميع، نتمنى عليكم وضع النقاط على الحروف وتسمية المخالفين بالأسماء، ومن ثم أخذ الإجراءات اللازمة بحقهم وحق من أعطاهم الإذن بالاستيراد كي يعلم الرأي العام من هو الصالح ومن هو المخالف”.
وتلفت مصادر وزارة الاقتصاد لـ “النهار” إلى أنّ وزير الاقتصاد راوول نعمة، عقد اجتماعاً نهار الجمعة الفائت مع مستوردي المواشي، وتمّ وضع آلية من المفترض أن تُنفَّذ في اليومين المقبلين، وتهدف إلى أن يسلّم المستورِد اللحّامين المواشي بالسعر المدعوم مع إبراز الفواتير الرسمية، على أن يقوم اللحّامون ببيعها بالسعر المدعوم الذي لا يتخطّى 45 ألف ليرة لكيلو العجل. وطلب الوزير خلال الاجتماع من كلّ شركة استيراد، التزوّد بمدقِّق حسابات توافق عليه وزارة الاقتصاد، لمراقبة وضبط تسليم المواشي للحّامين وفق السعر المحدَّد من الوزارة، وستتابع الوزارة أيضاً العمل في المسلخ ويمكن اللحّامين شراء اللحوم من هناك بفواتير رسمية أيضاً. ومن المفترض أن تبدأ أزمة اللحوم بالحلّ، مع بداية شهر رمضان.