المصدر : سكوبات عاليمة – محمد ناصر الدين
داخل أروقة السفارات عاش لبنان معظم فترات حياته، فهُنالك حُبِكَت أحقر الأزمات و مفاتيحها. فما كان استقلاله سوى استقلالاً مزيفاً فالجيوش العسكرية التي غادرت لبنان حلّت محلها جيوش دبلوماسية، أشد بئساً،
تُعطي التوجيهات و المُطيعون كُثُر!
أما السيادة التي تغنّى بها الدستور ليست إلا حبراً باهتاً جافاً. و القانون “الذي فوق الجميع” علا الجميع عليه.
كمعظم أزماته، تبقى أزمة تشكيل الحكومات في لبنان، أزمة قديمة جديدة. لا يمِل خُصومها. فالحكومة التي تُعنى بهموم و طموح الشعب… يشارك في تشكيلها الجميع إلاّ مجلس الشعب!
التجارب السابقة أثبتت أن ورقة تشكيل الحكومة لا بأس بها لتصفية حساباتٍ إقليمية و دولية، لا ناقة و لا جمل للشعب الجائع فيها!
و مع بزوغ نجم إيران بعد سقوط صدام حسين عام ٢٠٠٣ أحد أبرز مُكَبِلِي الأزرع الإيرانية ، حلُمَت طهران، كغيرها من الدول، بنفوذ متزايد في العديد من عواصم العرب في سبيل دحر الشيطان الأكبر و نشر فكرها الصفوي الجديد …
و بعدما أحيا ترامب سُبات الصراع النووي بين إيران و الغرب من خلال انسحابه من الاتفاق النووي الشهير دون مبررات تُذكر، و فرض عقوبات اقتصادية عسكرية صارمة على حليف موسكو. كان لابد من طهران استعمال حقها في الرد من خلال أوراقها الإقليمية.
رأت الإدارة الروحية في الجمهورية الإسلامية أن لبنان ورقة جديدة للتفاوض مع بايدن “العرّاب الجديد في البيت الأبيض” . فبعد سقوط بغداد و دمشق و صنعاء و قطر توالياً بيد المد الفارسي فالعاصمة بيروت، بلا شك، هي الوجهة المقبلة!
باستعمال نفوذها و خصوصاً “حزب الله” أحد أبرز ازرعها في الشرق الأوسط. تحاول الإدارة الإيرانية بشكل غير مباشر تأخير الولادة القيصرية للحكومة اللبنانية التي طال انتظارها… كيف لا؟! و الملف الحكومي ورقة دسمة لا يُستهان بها للتفاوض مع الخصم الأميركي! فترامب الذي حطّم طاولة الحوار و هشّم أوراق التوافق مع إيران، يُعلّق روحاني الكثير من الأمل على سياسة متساهلة ل”بايدن” الأقل جنوناً من ترامب و هذا ما بدا مؤخراً من خلال انفراجات ملحوظة على خط الملف النووي الإيراني.
و إن كان التناطح الخارجي أحد أبرز معوقات تشكيل الحكومة الحريرية الجديدة … فإن الفساد المقيم في ربوع الدولة و إداراتها عائق آخر، فالإصلاح المشروط على الحكومة الجديدة ، إن حصل، سيُحطم الكثير من الجماجم التي لها يد الطولى في مسار التشكيل!
إن المساعي الخارجية ، لاسيما الفرنسية منها التي ترجمها الرئيس الفرنسي بزيارته بيروت ، تُدرك جيداً أن مفتاح الحكومة اللبنانية ليس في بيروت فحسب!